نسمة قلم الدولية: ظلّ أمي( رواية) _ سالم غنيم

Najwa Ezzedine
0

 ظل أمي




كانت تقول لي دائمًا وأنا صغيرة:

كوني ظلّي يا بنتي…

 لا تتركيني وحدي

لم أكن أفهم المعنى يومها.

 كنتُ أضحك،

 أتشبث بثوبها وأركض وراءها في البيت، أظن أن الأمر مجرد لعبة.

 لكنني الآن… 

بعد كل هذه السنوات، فهمتُ.


كبرتُ أنا، 

وكبرتْ أمي معي. 

تجعّدت يداها التي حملتني طفلة،

 وضعُف صوتها الذي كان يملأ البيت ضحكًا وحكايات. 

صارت خطواتها بطيئة،

 ونَفَسُها يعلو كلما صعدت درجة. 

لم تعد تضع الكحل في عينيها كما كانت تفعل، ولم تعد تلك المرأة التي تبهرني بقوتها. لكن في عينيّ، 

أمي كما هي… 

أجمل النساء.


صرتُ اليوم ظلها الحقيقي. أمشي بجانبها في السوق، أشتري لها الخضار كما كانت تشتريها لي. 

أصفّف شعرها وأضحك حين 

تقول: زمان كنت أعمل لك ضفيرتين…

 والآن أنتِ تسرّحين لي شعري

ألبّي طلباتها قبل أن تنطق بها، أحمّل عنها كل شيء، حتى أنفاسها لو استطعت.


أراها تجلس على الشرفة، تحدّق في الغروب كأنها تنتظر شيئًا. أقترب منها، أضع يدي على كتفها، فتقول لي بصوت خافت:

تذكّري يا بنتي… 

يوم كنتِ صغيرة كنتُ ألبسك،

 أطعمك، 

أغني لك لتنامي… 

لا تنسي ذلك.

أضحك من بين دموعي وأقول:

وهل يمكن أن أنسى يا أمي؟


مرت الأيام، وكبرت أمي أكثر… 

حتى صارت تيتا. 

صار عندها أحفاد يملؤون البيت ضجيجًا، وهي تضحك بصعوبة، تحمل واحدًا على حجرها وتقول:

الحمد لله الذي أحياني لأراكم…


أجلس بجانبها، أمسك يدها المرتجفة وأقبّلها. أقول لها في سرّي:

لا تقلقي يا أمي… 

سأبقى ظلّك حتى آخر العمر. كما كنتِ لي الحياة… 

سأكون لكِ الأمان.


وحين تنام، أجلس أتأمل وجهها العجوز، وأفكر: كيف كانت تحملني ساعات دون تعب؟ 

كيف كانت تسهر لراحتي؟

 واليوم… 

كل ما أتمناه أن يمنحني الله القوة لأردّ لها ولو جزءًا مما فعلت.


لأنها ليست أمي فقط…

 إنها ظلي الذي لن يفارقني حتى بعد رحيلها.

سالم غنيم

حكواتي الوجدان 

روايه ظل امي

Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*