...وجه اخر....
نظر محمد إلى البرواز المعلق فوق مكتبه ..
اطال النظر اليه..
حدق به..
اقترب أكثر. .
احترقت السيجاره التي ضمهابين اصبيعه بقوه..
وحرقت معها اصبعيه..
القاها بقوه كأن افعى لدغته..
رفع قدمه وسحق السيجاره بقوه..
عاد مره اخرى للتحديق بالبرواز..
حدث نفسه بصوت عالي قائلا..اه..
هذه صورتي مع اصدقائي..
هذا يوسف الذي تزوج ..
انعم الله عليه باربعة أولاد. .
يملك مصنعا للألمنيوم ..
ويقوم الان ببناء فيلا فخمة. .
الدنيا أعطته. .
مع انه لم يكمل دراسته الثانوية. .
لم يحصل على شهاده علميه تؤهله لان يمتلك كل هذا ..
ومع ذلك حصل على كل هذه النعم...
كنت متفوقاً عليه في كل شيء. .
انا الذي نصحته ان يترك عمله عند الناس ويفتح له مصلحه خاصه به. .
تحجج بقله الفلوس. .
شجعته على الاقتراض من البنك. .
وكفلته انا لدى البنك ..
ساعدته بحسابات المصنع ..
نظمت له اموره المالية. .
عمل بجد واجتهاد ..
واصل عمله بالنهار والليل. .
عمل بجوار عماله. .
يده بيدهم ..
اصبح يمتلك كذا ألفا. .
لم يعد يعمل بيده. .
فتح مكتبا في وسط البلد. .
اصبح يدير المصنع عن طريق الهاتف ..
اشتقت إليه. .
ذهبت لمقابلته ..
سألتني السكرتيره الجميله التي كانت تجلس على مكتب فخم في وسط الصاله الكبرى. .هل عندك موعد مسبق. .؟
ابتسمت. .قلت لها :
ان السيد يوسف صديق عمري. .
ليس بيننا مواعيد. .
نظرت الي. .
ابتسمت..
ثم قالت :لحظه من فضلك حتى اخبره...
نهضت..
مشت بضع خطوات. .
طرقت باب خشبي ضخم. .دخلت. .
جلست على الكرسي. .
لم تعد قدماي تقدراني على حملي من طول الانتظار. .
تركت المكتب ..
سرت في الشوارع هائما على وجهي..
عضضت على اصابعي ندما لانني اشتقت لرؤيه صديق عمري ..
وصلت اخيرا الى بيتي...
جلست افكر ..احلل ما حدت معي .
اشعلت سيجاره خلف الأخرى. .
لم انم ليلتها..
لم اشعر بنفسي. .
كم مضى من الوقت؟!! ..
بزغ الفجر..القيت بجسدي على السرير ...
باسم اعز اصدقائي..اقربهم الى قلبي. .يجلس دائما بقربي ..
حتى بهذه الصورة. .
يجلس واضعا يده على كتفي. .
توسطت له لدى خالي ليرسل له فيزة عمل للكويت. .
سافر الى الكويت ...
غاب لمده ثلاث سنوات. .
لم تنقطع الرسائل بيننا في البدايه. .
مضت اول سنه على سفره. .
قلت رسائله تدريجيا ..
لم يعد يراسلني..
ارسلت له أكثر من عشر رسائل ..
لم اتلقى اي جواب على رسائلي. .
انتابني قلق شديد على اعز أصدقائي. .
اتصلت بخالي على الكويت لاسأل عنه..طمانني خالي عليه..
لقد ترك العمل عند خالي من زمن ليس ببسيط وعمل في شركه اخرى..
وتزوج ابنة صاحب الشركه..
واصبح مدير عام الشركه بعد وفاه والد زوجته..
اخذت من خالي تلفون الشركه ..
ورقم الفاكس ..
حاولت الاتصال به مرارا..
لم يرد علي..
ارسلت له فاكس على الشركه..
جاءني الرد..
ان المدير العام رفض الرد على الفاكس...
تركت الشركه التي ارسلت منها الفاكس. .
عدت الى بيتي مسرعا. .
تهاويت على اول كرسي شاهدته. .
اسرعت الى خزانتي ..
اخرجت رسائل باسم..
التي احتفظت فيها من سنين....
مزقتها..قطعا صغيره..
اه..هذا .زهير الذي يجلس الى اليمين..
هاجر الى امريكا. .
لم اعد اسمع اخباره..
حتى اهله لا يعرفون عنه شيئاً. .
سافر والده للبحث عنه..
عاد دون ان يتمكن من العثور عليه....
لا احد يدري ما الذي حدث له؟!!
ابتعد محمد عن البرواز قليلا ..
نظر الى صورته..
ابتسم..
عاد الى البرواز. .
تحدث الى صورته..
انت ماذا فعلت بحياتك؟!
ردت عليه صورته قائلة..انا اعمل موظف في القطاع الخاص ..
اتقاضى راتبا شهريا محترم..
زوجتي تعمل مدرسه..
اضع اولادي عند جدتهم ..
حين اعود من عملي اذهب لاحضارهم ..
زوجتي الان بالعمل..
انا اليوم اخذت اجازه مرضيه. .
شعرت بصداع شديد ليس كالمعتاد..
ماذا تريد مني اكثر من ذلك؟!
انا عايش زي البشر..
انت عايش زي البشر..!!
على حساب انت اذكى واحد فيهم ..
انت تعلم انني افضل واحد فيهم..
بس الظروف التي جعلتني هكذا. ..
اكيد انا كنت مخدوع بنفسي...
انا متفوق على كل من حولي..
للاسف جميع من حولك افضل منك..
ربما تعطي الحياه كل انسان حسب نيته. .
يعني نيتك سيئة. .
لا..مش لهذه الدرجه..
انا مابكره حدى..
مابحقد على حدى..
انت الوحيد الذي يعلم انه ليس لدي اعداء ..
الكل بحبني ..
لماذا تخلى عنك اصدقاؤك ؟
هم تنكروا لي..
بس انا بحبهم..
انت غبي ..
انا غبي ..الله يسامحك ..
يعني الحياه بدها مكر وخديعه ..
عشان اصير زيهم..لازم اكون انتهازي ..وصولي..
صار عمرك اكثر من ثلاثين سنه وزي ماانت..حمار..
انا حمار ..؟!!!
الله يسامحك..انت غلطت..علي..
انا بقول الحقيقه..حمار ولك ذنب كمان..
انت الوحيد الي عارف اني انا عبقري..
هكذا قالوا لي اصدقائي..
انت لسه مصدق هالكذبه..
هؤلاء يضحكون عليك..
هؤلاء ليسوا باصدقاء..
انسى الماضي لاتعيش باوهام..
عيش حياتك ياحمار..
العمر بمضي فيك..
عشت حمار ..
بس ماتموت حمار..
رفع قبضت يده ..
ضرب البرواز بها..
سقط البرواز على الارض..
سالت الدماء من يده..
نظر الى الدماء التي تسيل..
ابتسم من شدة الالم
سالم غنيم
حكواتي الوجدان الشعبي
تم كتابتها عام 1985
من اولى مجموعاتي القصصية
جزاء النضال