متابعه مكتب أسيوط سحر محمد عبدالرحمن
المظاهرات في غزة يجب أن تفرح ليس فقط الإسرائيليين، بل كل من يريد الأمن والسلام في المنطقة. وهي تطرح أيضًا سؤالًا: كل من نقل رسالة مفادها أنه لا يوجد أبرياء في غزة، وأن الجميع حماس، وأن غزة بأكملها مذنبة في 7 أكتوبر — ماذا سيقولون الآن بعد أن اندفعوا لمشاركة مقاطع الفلسطينيين المحتجين ضد حكم حماس؟ بالتأكيد سيقفزون ويقولون: "بالطبع، كل هذا بسبب القوة العسكرية التي استخدمتها إسرائيل". وسيشرحون أن المحتجين كانوا مؤيدين لحماس، واليوم بعضهم يتبرأ منها. هذه علامة على أن الفلسطينيين قد استوعبوا القوة المتفوقة لإسرائيل. لا أكثر ولا أقل. جزء من هذا صحيح بالتأكيد. لكنها ليست الحقيقة كاملة، ولا حتى نصفها. الحقيقة هي أننا نعلم من الوثائق التي استولت عليها القوات الإسرائيلية أن حماس زورت استطلاعات الرأي في غزة قبل أشهر عديدة بسبب تراجع شعبيتها. وأن هناك انتقادات كثيرة لحكمها أثناء الحرب وقبلها. وأنها قمعت أي معارضة بالتعذيب والقتل. في مقالاتي في "هآرتس"، أشرت إلى تقارير من موظفي منظمات دولية في القطاع قالوا فيها: "عندما يخرج كبار قادة حماس من الأنفاق وتنتهي الحرب"، "فإن الشعب سيبيدهم". فالكراهية تجاههم هائلة.
المظاهرات اندلعت الآن في غزة لأن الناس تذوقوا طعم وقف إطلاق نار طويل، وعادوا إلى أراضيهم بعد أشهر من العيش المؤقت. رأى سكان غزة الدمار، وكثيرون تعبوا من الحرب، والكثيرون لم يحبوا حماس أبدًا. هذا لا يعني أن بعضهم لم يتعاون، فعليًا أو بالصمت، مع فظائع 7 أكتوبر. ولا يعني أنهم أصبحوا محبين لإسرائيل، خاصة بسبب الدمار الشامل في غزة. لكن عندما لا يكون لدى الناس ما يخسرونه، يكونون مستعدين للخروج إلى الشوارع المدمرة ليشجبوا نظامًا قمعيًا، دمويًا، وإباديًا.
لا نحتاج إلى المظاهرات لمعرفة أن هناك أبرياء في غزة. كل طفل بريء بطبيعته. لكن المظاهرات توضح سياسيًا أن هناك أناسًا على الجانب الآخر. سمعنا أصوات وجهاء بيت لاهيا الذين يطالبون بحياة أفضل لأطفالهم، ويسعون إلى الحريّة والحياة الطبيعية.
بعد 7 أكتوبر، لم يعد مسموحًا لنا أن نخدع أنفسنا. هناك في غزة متطرفون متعطشون للدماء مستعدون لحرق كل شيء. هم من يحتجزون مختطفينا. المختطفون مقيدون بالجدران في أنفاق القمع والحرق المظلمة. المتطرفون هم من يحكمون غزة، وهذا بفضل القوة العسكرية والتنظيم الحمساوي. مع كل الاحترام لبيت لاهيا، فهذا لم يصل بعد لثورة داخلية ضد حماس — رغم أنها قد تحدث أسرع مما نتوقع.
سكان غزة، رغم كل الشائعات، سيظلون جيرانًا لإسرائيل.
حكم حماس لا يمكن أن يبقى في غزة. كبار قادة حماس لا يمكن أن يبقوا في غزة. الجيش الذي بنته حماس وجميع التنظيمات المسلحة يجب أن يُفكك — حقًا، ليس بنموذج حزب الله وبدون أي خداع. الحرب يمكن أن تنتهي في لحظة إذا وافقت حماس على خروج قادتها ونواة المسلحين إلى المنفى، كما حدث في بيروت عام 1982، وإعادة جميع المختطفين في صفقة واحدة. وهذا ما يجب أن نصبوا إليه، وما يجب على العالم أن يدفع باتجاهه. لكن حتى لو تأخر هذا اليوم، يجب على إسرائيل أن تعرف كيف ترسم رؤية لحياة مختلفة، لحكم بديل، لمستقبل ما. ليس من أجل سكان غزة الذين تجرأوا على الوقوف ضد حكم حماس، بل من أجل حياتنا نحن هنا.
من يريد أن يكون منتصرًا يجب أن يعرف كيف يشم رائحة النصر، ويشعر عندما يكون في متناول اليد. الحرب لا تُربح فقط بالمدافع والقنابل، بل أيضًا بالتحركات السياسية. بالحكمة الشجاعة، وليس فقط بالخطاب المتطرف. إذا كانت الكرة في ملعبنا يجب أن نسددها. ومرة أخرى، هذه مجرد مظاهرات في هذه المرحلة.
الأهم أن نتذكر: العمل العسكري ضروري أحيانًا، لكنه ليس غاية في حد ذاته. من لا يقدم رؤية لـ "اليوم التالي"، فهو يقترح حربًا لا نهاية لها. وهذه الحرب هي نوع من الهزيمة.