ديجافو
دخل آدم عيادة الطبيب النفسي بخطوات مترددة، عيناه غائرتان كمن يسكنه قلق خفي. جلس أمام الطبيب، يضم كفيه بقوة، ثم قال بصوت متقطع:
دكتور… منذ حادث السيارة الأخير،
لم أعد أشعر أنني إنسان طبيعي.
أخذ الطبيب نفسًا هادئًا، وقال:
ـ احكِ لي.
تنهد آدم:
أعيش لحظات غريبة…
لحظات أعرفها قبل أن تحدث.
أقف في مكان ما،
أسمع جملة من أحدهم،
أرى حركة بسيطة…
ثم أشعر بيقين مطلق أنني مررت بكل هذا من قبل.
لكن لا أتذكر متى. كأن حياتي شريط يُعاد عرضه باستمرار.
أحيانًا أضحك،
وأحيانًا أشعر بالجنون.
ابتسم الطبيب باطمئنان:
هذا يُسمى ديجافو.
إنه خلل مؤقت في الذاكرة يحدث عند بعض الناس،
وغالبًا بعد الصدمات أو الإصابات الدماغية. الحادث ربما سبّب اضطرابًا بسيطًا في دماغك…
فيخلط بين ما هو جديد وما هو قديم.
رفع آدم رأسه بقلق وقال:
لكن ليس الأمر مجرد خلط يا دكتور…
في بعض المرات،
أشعر أنني لا أسترجع الماضي،
بل أرى لمحة مما سيأتي!
قبل أيام،
مررت في شارع ما،
فجأة اجتاحني إحساس مألوف بأن شيئًا سيئًا سيحدث…
وبعد دقائق وقع حادث أمامي في نفس المكان. كيف أفسر هذا؟
سكت الطبيب لحظة، ثم قال بهدوء وهو يدوّن:
العقل أحيانًا يخدعنا…
يربط بين الصدفة والتوقع، فيوهمك أنك كنت تعرف مسبقًا.
إنه تفسير نفسي واضح.
لكن آدم لم يقتنع، وصوته ارتجف:
وأنا أحيانًا أشعر أنني لم أنجُ أصلًا من الحادث…
كأن حياتي الحالية مجرد صدى…
أو إعادة عرض لنسخة أخرى من نفسي. أحيانًا أنظر في المرآة فأشعر أن وجهي ليس لي،
بل لشخص آخر يعيشني.
رفع الطبيب نظره عن الورق،
وتفرّس فيه طويلًا، ثم قال بصوت غامض:
ومن قال إن الديجافو خلل فقط؟
ربما هو نافذة…
نافذة صغيرة تفتحها روحك على أزمنة موازية. العلم يفسره بالذاكرة…
والفلسفة تراه دليلاً على أن الزمن ليس خطًا مستقيمًا. السؤال الأهم:
أي زمن هو زمنك الحقيقي؟
ارتجف جسد آدم، وشعر أن الغرفة تدور من حوله. حاول أن يجيب، لكنه لم يجد الكلمات.
بينما أغلق الطبيب دفتره ببطء، وهو يتمتم:
أحيانًا يا آدم…
من ينجو من الموت، يبقى عالقًا بين الحياة وما بعدها. ربما أنت هناك…
بينهما.
وبقي الصمت يملأ الغرفة،
كأن الزمن نفسه توقف للحظة.
سالم حسن غنيم
حكواتي الوجدان الشعبي