أين كانت الـ(لا) ؟
أين كانت الـ(لا) حين قلتُ (نعم) ،سؤال يطاردني كظلٍّ لا يفارقني ، أين اختبأت الـ(لا) يوم أفلتت (نعم)من فمي كأنها انكسار لم أملك رده . أشعر وكأن (لا) كانت منفية في مكان بعيد أو ربما ارتجفت من مواجهة اللحظة، بينما كنت أنا أرتعش بين ضعف يجرني ورغبة تخدعني، بين نداء القلب وحسابات العقل الباردة.
ما أقسى أن تتحول (نعم) إلى قيد يلتف حول عنقك، إلى جدار يتعاظم كلما حاولت أن تنتزع نفسك منه. كنت أظنها تسامحاً، أو تنازلاً عابراً، أو بصيص أمل يلين به الواقع، فإذا بها تتحول إلى انكسار متجدد، وصدى سؤال لا ينطفئ لماذا لم أقل (لا)؟
الـ(لا) ليست كلمة عادية، بل هي آخر حصون الروح، السور الذي يحمي ما تبقى من كيانك وكرامتك. لكنها يومها لم تحضر. أو لعلها حضرت خافتة، لكنني لم أملك شجاعة الإصغاء إليها، فمرت كظل لم أتبينه، وتركتني عارياً أمام (نعم)لم تكن لي، ولم تكن تشبهني.
أحياناً أظن أن (لا) كانت نائمة في قلبي، وأنا من غطيتها بيدي خوفاً من أن تستيقظ. كنت أرتجف من مواجهة وجوه وأقدار لا ترحم، فدفعت لهم (نعم) وأنا أعلم في داخلي أنني أضعت شيئاً مني، شيئاً لا يُعوض.
وحين ألتفت إلى الوراء، أرى أن غياب (لا) لم يكن عبثاً، بل امتحاناً قاسياً لمدى قدرتي على أن أكون صادقاً مع نفسي. كنت ألهث وراء رضا الآخرين، بينما أهملت رضا قلبي، ودفعت ثمن ذلك من راحتي وطمأنينتي.
وكم يؤلم أن تدرك متأخراً أن (لا) لم تكن يوماً قسوة، بل كانت رحمة. لم تكن عناداً، بل شجاعة. هي الكلمة التي كان يجب أن تُقال كي أبقى واقفاً على قدمي.
لكن هل فات الأوان؟ ربما ، وربما لا. فـ (لا) ما زالت تسكنني اليوم، أكثر وعياً وحضوراً. تعلمت أن أستدعيها قبل أن تبتلعني (نعم ) أخرى لا تشبهني.
لهذا أعود لأهمس لنفسي في كل منعطف أينما كنتِ أيتها الـ(لا)، لا تغيبي عني مرة أخرى. فما عدتُ قادراً على احتمال (نعم) جديدة تسرقني من ذاتي ، وأتيه بين النَّعَّامين للأبد .
✍️ بقلمي: عمر أحمد العلوش