حل الدولتين بين الممكن والمستحيل في ظل التوسع الاستيطاني: قراءة سياسية وقانونية..! بقلم د. عبدالرحيم جاموس

نسمات الحياة
0

 حل الدولتين بين الممكن والمستحيل في ظل التوسع الاستيطاني: قراءة سياسية وقانونية..!


بقلم د. عبدالرحيم جاموس  



مقدمة


ظلّ حل الدولتين على مدى العقود الماضية الإطار المرجعي الأكثر تداولًا في الجهود الدولية لإنهاء الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. يقوم هذا الحل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل. غير أنّ الوقائع الميدانية، ولا سيما تسارع الاستيطان وتغيير المعالم الجغرافية والديموغرافية، تثير تساؤلات جوهرية حول إمكانية تنفيذ هذا الحل على أرض الواقع.


أولاً: الإطار القانوني الدولي لحل الدولتين


يستند حل الدولتين إلى منظومة من القرارات والمرجعيات الدولية التي تشكل الأساس القانوني والسياسي للمطالبة الفلسطينية:


1. قرار الجمعية العامة 181 (29 نوفمبر 1947) – خطة تقسيم فلسطين

نصّ على إنهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، مع وضع القدس تحت نظام دولي خاص. رغم رفض الجانب العربي آنذاك، إلا أن القرار يمثل أول اعتراف أممي بفكرة الدولة الفلسطينية، وهو ما تستند إليه كثير من الحجج القانونية المعاصرة.


2. قرار الجمعية العامة 194 (11 ديسمبر 1948) – حق عودة اللاجئين

جاء فيه: "يجب السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم بالقيام بذلك في أقرب وقت ممكن"، وأكد على التعويض لمن لا يرغب في العودة. هذا القرار لا يزال مرجعًا أساسيًا في ملف اللاجئين ضمن أي تسوية نهائية.


3. قرار مجلس الأمن 242 (1967)

دعا إلى "انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضٍ احتلت في النزاع الأخير" وإلى "إنهاء كل ادعاء أو حالة حرب واحترام سيادة كل دولة في المنطقة". يمثل هذا القرار حجر الزاوية في كل المبادرات السياسية اللاحقة.


4. قرار مجلس الأمن 338 (1973)

طالب "بتنفيذ القرار 242 فورًا" وبدء مفاوضات لإحلال سلام عادل ودائم.


5. قرار الجمعية العامة 67/19 (29 نوفمبر 2012) – قبول فلسطين كدولة مراقب غير عضو

اعترف بـ"دولة فلسطين على أساس حدود ما قبل عام 1967" ومنحها صفة مراقب، وهو ما مكّنها لاحقًا من الانضمام إلى معاهدات ومنظمات دولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية.


6. قرار مجلس الأمن 2334 (2016)

أكد أن "إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية" ودعا إلى وقف كامل للنشاط الاستيطاني.


7. قرار الجمعية العامة (سبتمبر 2024)

ألزم إسرائيل "بإنهاء الاحتلال والاستيطان خلال عام واحد" وحدد سبتمبر 2025 موعدًا نهائيًا، وهو قرار يكتسب أهمية خاصة في ضوء قرب انتهاء المهلة.


8. فتوى محكمة العدل الدولية (9 يوليو 2004) – عدم مشروعية الجدار العازل

قضت بأن "إنشاء الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية ومحيطها، غير قانوني" ودعت إسرائيل إلى تفكيكه وتعويض المتضررين.


ثانياً: أثر الاستيطان على إمكانية حل الدولتين


التوسع الاستيطاني المستمر هو العقبة الكبرى أمام إقامة دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة.

وفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، بلغ عدد المستوطنين بحلول منتصف 2025 نحو 750 ألف مستوطن في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، موزعين على أكثر من 280 مستوطنة وبؤرة.


الآثار الميدانية:


تقطيع الجغرافيا الفلسطينية عبر شبكة الطرق الالتفافية والحواجز والجدار العازل.


إضعاف التواصل الديمغرافي بين المدن والقرى الفلسطينية.

مصادرة الموارد من أراضٍ زراعية ومصادر مياه، مما يضر بالاقتصاد المحلي.


من منظور القانون الدولي، يعتبر الاستيطان انتهاكًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر نقل سكان الدولة المحتلة إلى الأراضي التي تحتلها. كما تؤكد فتوى محكمة العدل الدولية 2004 أن الأنشطة المرتبطة بالجدار والمستوطنات تقوّض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.


ثالثاً: الأطر الدولية والإقليمية الداعمة


رغم الصعوبات، لا يزال هناك دعم دولي واسع لمبدأ حل الدولتين، تجسد في:


التحالف الدولي الذي أُطلق عام 2024 بدعم السعودية وفرنسا لإحياء المفاوضات وفق المرجعيات الدولية.


مواقف الاتحاد الأوروبي الرافضة للاستيطان واشتراط التعاون الاقتصادي باحترام القانون الدولي.


دعم منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي للمطالب الفلسطينية.


موجة الاعترافات بدولة فلسطين، التي تجاوزت 145 دولة حتى 2025....


لكن غياب آليات ضغط فعالة على إسرائيل يظل العقبة الأبرز أمام ترجمة هذا الدعم إلى نتائج ملموسة.


رابعاً: الدولة الفلسطينية المستقلة – مقومات الحياة ودور الاستقرار


المقومات الأساسية:


1. السيادة الكاملة على الحدود والمعابر والمجال الجوي والمياه الإقليمية.


2. التواصل الجغرافي بين الضفة وغزة عبر ممر آمن.


3. القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، مع ترتيبات دولية لضمان حرية الوصول للأماكن المقدسة.


الأبعاد الاقتصادية:


استثمارات دولية في البنية التحتية.

اقتصاد إنتاجي قائم على الزراعة، والصناعة الخفيفة، والتكنولوجيا.

موقع استراتيجي كمحور تجاري بين آسيا وأفريقيا وأوروبا.


الأبعاد السياسية والأمنية:

علاقات حسن جوار مع كل الدول، بما فيها إسرائيل، على أساس الاحترام المتبادل.

الانضمام إلى آليات الأمن الجماعي الإقليمي.

سيادة القانون وبناء مؤسسات دولة حديثة.


نجاح هذه الدولة سيعني إسهامًا مباشرًا في استقرار الإقليم وتخفيف بؤر التوتر.


خامساً: التحديات والاحتمالات المستقبلية


التحديات:


استمرار النشاط الاستيطاني بوتيرة متسارعة.


الانقسام السياسي الفلسطيني الداخلي.


انشغال المجتمع الدولي بأزمات عالمية أخرى.

الاحتمالات:

1. النجاح – وقف الاستيطان، مفاوضات جادة، تنفيذ تدريجي للحل بدعم وضمانات دولية.


2. التعثر – استمرار الوضع القائم مع إدارة الصراع دون حله.


3. الانهيار – ضم فعلي لمناطق واسعة من الضفة وفقدان إمكانية تطبيق حل الدولتين.


خاتمة وتوصيات


حل الدولتين لا يزال ممكنًا من الناحية القانونية والسياسية، لكن قابليته للتطبيق تتقلص مع مرور الوقت واستمرار التوسع الاستيطاني.

إن إنقاذه يتطلب:


إرادة سياسية دولية مدعومة بآليات ضغط فعالة، تشمل العقوبات على الأنشطة الاستيطانية.


توحيد الصف الفلسطيني خلف مشروع الدولة المستقلة.


ترجمة الدعم السياسي، خاصة من القوى المؤثرة كالسعودية وفرنسا، إلى التزامات عملية قابلة للقياس.

د. عبدالرحيم جاموس  

الرياض 

سبتمبر 2025 


قائمة المراجع


United Nations General Assembly Resolution 181 (1947)


United Nations General Assembly Resolution 194 (1948)


United Nations Security Council Resolution 242 (1967)


United Nations Security Council Resolution 338 (1973)


United Nations General Assembly Resolution 67/19 (2012)


United Nations Security Council Resolution 2334 (2016)


United Nations General Assembly Resolution, September 2024


International Court of Justice, Advisory Opinion on the Legal Consequences of the Construction of a Wall in the Occupied Palestinian Territory (2004)


Geneva Convention Relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War (1949)


Office for the Coordination of Humanitarian Affairs (OCHA) Reports, 2025


European Union External Action Service, Statements on Middle East Peace Process, 2024–2025


اعدت هذه الدراسة بمناسبة انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة .

وترجمت للغة الإنجليزية، ونشرت مع عدد من الدراسات والمقالات في مجلة عدد خاص بالعربية والإنجليزية ، تتناول ذات الموضوع من جوانبه المختلفة في الجمعية العامةللأمم المتحدة في دورتها الحالية ، تحت إشراف المحامي والوزير السابق ، الأستاذ زياد ابو زياد / عضو الوفد الفلسطيني للمفاوضات .

Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*