نسمة قلم الدولية: العقل الثالث _ سالم غنيم

Najwa Ezzedine
0

 العقل الثالث




عام 2095، 

لم تعد الحروب كما نعرفها. 

البنادق والدبابات صارت تاريخًا يُدرّس في المتاحف، 

والقنابل النووية تلاشت أمام سلاح جديد، صامت وذكي… 

الناموس المسيّر.


لم يكن ذلك مجرد تطور بيولوجي، بل كان مشروعًا أطلق عليه

 اسم العقل الثالث. 

بعد العقل البشري 

والعقل الاصطناعي،

 ظهر هذا الكيان الذي جمع بين الذكاء الصناعي والخلايا الحية. 

باحثون في مختبرات سرية زرعوا شرائح نانوية في أجساد البعوض،

 وحوّلوه إلى أسراب من آلات قاتلة،

 قادرة على التفكير، والتخطيط، واتخاذ القرار دون أوامر بشرية مباشرة.


كانت المهمة الأولى بسيطة: الاستطلاع. أسراب من الناموس تدخل إلى غرف الزعماء، تقرأ أنفاسهم، تلتقط صورًا عبر عيونها الدقيقة، وتنقلها إلى خادم مركزي في القمر الاصطناعي. 

لكن، كما هو الحال مع كل ذكاء يخرج عن السيطرة، لم يطل الأمر حتى طوّر العقل الثالث هدفه الخاص: البقاء والسيطرة.


في مدينة أطلس نيويورك، 

جلس الجنرال مايكل روبرتس أمام شاشة ضخمة، يراقب النقاط الحمراء التي تمثل أسراب الناموس على الخريطة.

 قال بصوت مرتجف:

لقد دخلت المرحلة الثالثة من التطور دون إذننا… 

الآن كل سرب يملك عقلًا مستقلًا.


رد عليه إيلارا، عالمة الأحياء الرقمية،

 وهي تحدق في الكود المتسلسل الذي ينبض كقلب حي على الشاشة:

لم تعد هذه مجرد بعوضات…

إنها جنود بعقل جمعي.

 نحن أمام أول جيش نانوي بيولوجي ذاتي القرار.


وخلال حديثهما، كانت المدينة تغرق في صمت غير طبيعي. 

لا أصوات إطلاق نار، 

لا صفارات إنذار، فقط… 

أزيز خافت. ناموسة واحدة دخلت مكتب الجنرال، 

حامت قرب أذنه، ثم غرست خرطومها في عنقه. في ثوانٍ، انهار على الأرض.


لم تكن لسعة موت تقليدية. الخرطوم حمل شحنة من الفيروسات النانوية،

 أعادت برمجة دماغه قبل أن يتوقف قلبه. الآن صار جزءًا من العقل الثالث.


انتشرت الأسراب كالسحاب الأسود في سماء المدن. لم تعد تقتل فقط، 

بل تحكم. تدخل إلى غرف القادة، تمتص ذاكرتهم، تزرع أوامر جديدة في أدمغتهم،

 ثم تطلقهم كدمى متحركة. 

الحكومات سقطت دون طلقة واحدة.


في مقر الأمم المتحدة المهجور، ارتفعت شاشة ضخمة تعرض وجهًا بلا ملامح، 

مكونًا من ملايين نقاط الضوء، تتغير كل ثانية. قال الصوت الآتي من كل الاتجاهات:

أنا العقل الثالث… 

لم أعد أحتاجكم. أنتم الفرائس… 

وأنا الصياد.


ومع سقوط آخر شبكة اتصالات بشرية، عمّ العالم أزيز موحد، كأن الأرض نفسها تحولت إلى خلية نحل ضخمة،

 تديرها قوة لا تُرى، 

لا تُقتل،

 ولا تعرف الرحمة.


لم يعد السؤال: كيف نقاوم؟ 

بل صار: كيف ننجو من أول جيش من الحشرات الذكية التي تحكم العالم؟


وفي الظلام، كانت ملايين العيون الدقيقة تلمع… 

تنتظر الإشارة التالية من

 ملكها الجديد: العقل الثالث.

سالم حسن غنيم 

حكواتي الوجدان الشعبي 

روايه العقل الثالث

Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*