القلم أم الرصاص
في صف مقاعده الخشبية المتهالكة،
جلست هبة تتأمل دفترها البسيط، تقفلت الأصابع حول القلم الرصاصي الذي صار أقصر من أن يستقر بيدها براحة. إلى جانبه،
كان قلم الحبر مرصودًا في علبة مكتبتها المنزلية، يلمع بإغراء ب ثباته وأناقته.
خرجت معلمة اللغة العربية لتشرح درس الخطابة، وسألت تلميذاتها:
أيّكن تفضل القلم أمّ الرصاص؟
ولماذا؟
رفعت هبة يدها بخجل، وترددت، ثم قالت:
القلم يا أستاذة، لأنه لا يمحى بسهولة، يثبت الكلمة في الصفحة كما لو أنها وعد لا يُنكَر.
ابتسمت المعلمة، ونظرت صوب زميلتها منى التي ترددت أيضًا قبل أن تجيب:
أميل للرصاص، لأننا جميعًا نخطئ أحيانًا،
ومع الممحاة يمكننا تصحيح أخطاءنا والبدء من جديد.
انعكس الضوء من زجاج النافذة على وجهيهما، وكأن الجوابين يتنافسان في ضوء الدنيا.
بعد المدرسة، وقفت هبة أمام مرآة صالة البيت. أمسكت بالقلم الرصاص، ثم نحت الرصاصة المفقّرة في نهاية الممحاة بيدها الأخرى. تذكرت كلمات والدها قبل سنوات:
لا تخافي من الخطأ، فهو أول خطوة نحو الصواب.
فتشت عن القلم الحبر في الدرج، وأمسكته بارتعاشة. كان يبدو أكثر تألقًا، لكنه أيضًا أكثر رعبًا؛ فكل نقطة حبر لا يمكن محوها قبل أن تجف.
فكرت هبة في امتحان اللغة العربية الذي ستقدمه غدًا:
هل تكتب أولًا بالقلم الرصاص ثم تذهب على التصحيح بالقلم الحبر؟
أم تكتب بالقلم الحبر مباشرة، وتقبل أن تبقى آثار حبرها مهما أخطأت؟
في الصباح التالي، دخلت هبة إلى قاعة الامتحان. جلست أمام ورقة الاختبار، وأخرجت القلم الرصاص. كتبت عنوان الإجابة الأولى، ثم ترددت. أزاحت القلم بعيدًا، وأمسكت بالقلم الحبر. تركت القلمين في يديها متقاطعَين:
القلم رمزُ الشجاعة،
والرصاص رمزُ التواضع والاستعداد للتعلم.
في لحظة حسم، علّقت يدها فوق الصفحة لثوانٍ، ثم وضعت القلم الحبر جانبًا، وأمسكت بالرصاص وأدخلت رصاصة القلم في قلب الممحاة،
فأصبح رصينا. كتبت هبة إجاباتها كاملةً بالرصاص، تترك هامش الممحاة جانبًا لكل تصحيح لاحق.
بعد أسابيع، سلّمَت دفترها للمعلمة، وهي تعلم أن إجاباتها قد لا تكون كاملة، لكنها تحمل روح التعلم والجرأة على إعادة الكتابة.
عند استلام النتيجة،
أرفقت المعلمة ملاحظة باللون الأزرق:
أجابت هبة بإجابات واضحة، لكنه كان ينقصها بعض الشجاعة في الجرأة النهائية.
لا تخافي من استخدام الحبر في المرة القادمة.
ابتسمت هبة، ونظرت إلى القلم الرصاصي المثقوب في محايتها الصغيرة، ثم نظرت إلى القلم الحبر الهادئ في الدرج. عرفت حينها أن الأمر ليس سؤالًا عن القلم أم الرصاص، بل عن التوازن بين الجرأة والاعتراف بالخطأ، بين الحبر والرصاص، بين الثبات والتعلّم.
فهذه هي قصصنا نحن، نكتبها بالقلم ثم نعترف بها بالرصاص، ثم نجرؤ فتمحو الممحاة لتترك مساحة للحبر الجديد.
سالم غنيم
حكواتي الوجدان الشعبي
من مجموعتي القصصيه
قلم ورصاص