اعداد محمد حجازى
في قرية تفهنا العزب، الواقعة على ضفاف فرع دمياط بمحافظة الغربية، وُلد محمد زرد في 31 أكتوبر 1943. كان شابًا يحمل في قلبه حلمًا لا يلين: أن يصبح جنديًا يدافع عن أرض مصر. لكن القدر بدا وكأنه يختبره مبكرًا؛ فقد رُفض طلبه للالتحاق بالكلية الحر.بية بعد حصوله على الثانوية العامة، فلم يستسلم. التحق بكلية العلوم في أسيوط لعام واحد، لكن شغفه بالعسكر.ية ظل يتأجج داخله كالنا.ر. أعاد المحاولة في العام التالي، وقُبل أخيرًا، ليبرهن عن تفوقه ومهارته في الكلية الحر.بية حتى تخرج من أوائل دفعته في 21 فبراير 1966.
انطلق زرد إلى اليمن مع إحدى الوحد.ات المصرية، حيث خاض تجربة قاسية عاد منها مصابًا في ساقه وفي روحه، متأثرًا بنكسة 1967. وبسبب إصابته، قررت اللجنة الطبية إبعاده عن التشكيلات القتا.لية، وكُلف بالتدريس في مدرسة المشاة. لكنه، وبرغم تأديته لمهمته بإتقان، لم يجد روحه في الفصول الدراسية. كان قلبه معلقًا بخطو.ط المواجهة، حيث النار والبا.رود. بإرادة من حديد، وبعد تمارين علاج شاقة، تقدم بإلتماس للعودة إلى القتا.ل، فعاد إلى وحدات المشاة في الج.يش الثالث الميداني، ليصبح شوكة في خاصرة العد.و.
كان زرد بطلًا في حر.ب الاستنز.اف، يقود عمليا.ت إغا.رة جريئة ضد النقطة الحصينة 149، وهي قلعة العد.و المنيعة التي أُعيد بناؤها بعد توقف إطلا.ق النا.ر قبل حر.ب أكتوبر 1973. اختار العد.و موقعها بعناية فائقة، على تبة مرتفعة تتحكم في محاور رئيسية: جنوبًا إلى رأس سدر، شرقًا إلى الممرات، وشمالًا إلى البحيرات. حصّنها العد.و بأسلا.ك شا.ئكة، عوائق معدنية، وشر.اك خد.اعية، مع برج مرا.قبة يطل على عشرات الكيلومترات. كانت مجهزة بثمانية رشا.شات نصف بوصة، ستة مد.افع مضا.دة للد.بابات، مد.افع ها.ون، دبا.بات ، عربتي صو.اريخ، أجهزة رؤية ليلية وتصنت، وذخا.ئر وإمدادات تكفي لأكثر من شهر.
في السادس من أكتوبر 1973، كُلفت السر.ية الأولى من ك.تيبة محمد زرد باقتحا.م هذه النقطة. بدأ الهجو.م بق.صف مد.فعي مصري مركز، فتقدم صا.ئدو الد.بابات، ود.مروا ثلاث دبا.بات للعد.و، بينما فرت البقية. فتحت المد.فعية ثلاث ثغر.ات في العو.ائق الهندسية، لكن عندما اقتربت مجموعة الاقتحا.م من النقطة، أمطرتها نير.ان العد.و من مسافة 300 متر، مما أوقف تقدمها وأوقع خسا.ئر فادحة. انتظرت القو.ات المصرية الظلام لإخلاء الش.هداء والجر.حى، وتحصنت لصد هجما.ت طيران العد.و. في الليل، حاول العد.و دعم النقطة بالمد.رعات، لكن القو.ات المصرية أحبطت محاولته.
مع بزوغ فجر السابع من أكتوبر، تجدد الهجو.م المصري، لكن قصف العد.و وطيرانه حال دون الاقتحا.م. استمر الحصار من بعيد، بينما شكلت النقطة خطرًا كبيرًا، إذ كانت تد.مر المعابر المصرية التي تعتمد عليها المد.رعات لعبور القناة، مما هدد القو.ات المتقدمة في سيناء. في اليوم الثالث، صدرت الأوامر بتغيير خطة الهجو.م لاستهد.اف النقطة من الجوانب والخلف. تقدمت القو.ات المصرية وسط مقا.ومة شر.سة استمرت ساعات، أظهر العد.و خلالها تمسكًا يائسًا بموقعه.
وفي لحظة حاسمة، برزت بطولة محمد زرد. ألحّ على قيادته لتنفيذ عملية استش..هادية، وبرغم الرفض الأولي، أقنعهم إصراره. كانت خطته عبور 100 متر مكشوفة تحت نير.ان العد.و: نصفها زحفًا، والباقي عدوًا بأقصى سرعته، ليلقي قنا.بله اليد.وية في د..شمة العد.و. نزع فتا.ئل ثلاث قنابل، وانطلق زاحفًا وسط زخات الرصا.ص التي كانت تصفر حوله. لم يثنه الغبار أو صوت الرصا.ص. نهض كالأسد، متقدمًا نحو الد.شمة، حتى أصا.بته رصا.صات العد.و في بطنه. لم يتوقف، بل وضع يده على جرحه ليمنع أمعاءه من السقوط، واصل الجري حتى وصل إلى المزغل. ألقى قنا.بله فأسكت من فيه، ثم ألقى بجسده فوق الفتحة، واستدار إلى رفاقه، يلوح بيده وينادي بصوت مبحوح: "هلموا إخواني، اعبروا فوق جسدي، أتموا الاقتحام!"
اندفع رفاقه بقيا.دة الملازم أول سمير حسن، اقتحموا النقطة، أبا.دوا من فيها، واستسلم الباقون. أُخلي زرد إلى مستشفى السويس، حيث لقي ربه ش.هيدًا خالدًا. تكبد العد.و خسائر فادحة: ثماني دبا.بات، عر.بة نصف جنزير، 31 ق.تيلًا، 21 أس.يرًا، واستولت القو.ات المصرية على أسل.حة وذخا.ئر ومعدات بحمولة 20 شاحنة.
هكذا كانت حكاية محمد زرد، ابن مصر الذي ضحى بنفسه ليفتح طريق النصر. هؤلاء هم أبطالنا، نماذج نفخر بها، ونسأل الله أن يلحقنا بهم على الإيمان الكامل، وأن يرزقنا الشهادة في سبيله