حساب لم يُسَدَّد بقلم سالم غنيم

نسمات الحياة
0

 حساب لم يُسَدَّد

بقلم سالم غنيم 




كان العم رشيد يملك دكانًا صغيرًا في طرف الحارة، 

يفتح بابه من الفجر حتى بعد العشاء.

دفتره الأزرق السميك وُضع بجانب ماكينة الحساب، 

لا يفارقه. 

يسجل فيه كل شيء:

كيس رز على الحساب، 

علبة حليب تدفع آخر الشهر، باكيت دخان يسدد وقت الراتب...


لم يكن يلحّ على أحد. فقط يقول:

– المهم تذكروا، الحساب ما يضيع.


كان يعرف أن بعضهم لن يسدد، لكنه ظل يكتب. النية توصل قبل القرش، 

كان يقولها ويبتسم.


مرت السنين، كبر العم رشيد، وبدأت يداه ترتجفان حين يدوّن. بعض الأسماء في الدفتر صاروا ترابًا.

وبعضهم كبروا، تغيرت حياتهم، نَسوا دكانه الصغير بعد أن صاروا يشترون من المتاجر الكبيرة بالبطاقة.


وفي يوم خريفي بارد، أُغلق الدكان.

قالوا إنه مرض فجأة، ثم سكن المستشفى أيامًا، ثم غاب.


بعد وفاته، اجتمع بعض أهل الحي لتوزيع أشيائه.

وجدوا الدفتر الأزرق في درج خشبي مغبر.

تصفّحوه، وتوقفوا عند صفحة عنوانها بخطه المرتب:


حساب لم يُسَدَّد


كانت الصفحة بيضاء. لا أرقام، لا أسماء.


لكن في أسفلها، كُتبت جملة واحدة فقط:

الدَّين اللي في القلب... ما في ورقة توفّيه.


خرجوا من دكانه صامتين.

في عيونهم دفاتر لا يعرفها أحد.


Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*