نسمة قلم الدولية: الزواج العرفي: قنبلة موقوتة تهدد المجتمعات

Najwa Ezzedine
0

 الزواج العرفي: قنبلة موقوتة تهدد المجتمعات

بقلم  :شيماء محمود



الزواج العرفي، مصطلح يتكرر كثيرًا في مجتمعاتنا العربية، ويُعرف عادةً بأنه زواج يتم دون توثيق رسمي في الجهات الحكومية المختصة. ورغم أن البعض قد يراه حلاً سهلاً أو طريقة لتجاوز بعض العقبات الاجتماعية، إلا أنه في حقيقة الأمر "قنبلة موقوتة" تهدد استقرار الأفراد والمجتمعات على حد سواء، وتخلف وراءها آثارًا مدمرة يصعب تداركها.

ماهية الزواج العرفي ودوافعه

يتم الزواج العرفي غالبًا بإيجاب وقبول بين طرفين وشهود، وقد يكتب في ورقة لا تتمتع بأي حجية قانونية، أو قد لا يكتب على الإطلاق. وتتعدد الدوافع وراء اللجوء إليه، فمنها ما هو اجتماعي كرفض الأهل لزيجة معينة، أو الرغبة في التهرب من تكاليف الزواج الرسمي الباهظة، أو حتى محاولة التحايل على القوانين في حالات الزواج الثاني. كما قد يكون دافعًا لستر علاقة غير شرعية في بعض الأحيان، مما يزيد من خطورته.

مخاطر اجتماعية وقانونية جسيمة

تتجلى خطورة الزواج العرفي في الآثار السلبية التي يتركها على جميع الأطراف، خاصة المرأة والأبناء:

  ضياع حقوق المرأة: تُعد المرأة الطرف الأكثر تضررًا في الزواج العرفي. ففي حال حدوث خلاف أو انفصال، تفقد المرأة كافة حقوقها الشرعية والقانونية، مثل النفقة والميراث وحق الحضانة للأبناء. لا تستطيع إثبات زواجها أمام المحاكم، مما يجعلها عرضة للظلم والابتزاز.

  غياب نسب الأبناء: يمثل هذا الجانب الكارثة الأكبر. فالأطفال المولودون من زواج عرفي غالبًا ما يواجهون صعوبة بالغة في إثبات نسبهم لأبيهم. هذا يترتب عليه حرمانهم من حقوقهم الأساسية كالتسجيل في السجلات المدنية، الحصول على الأوراق الثبوتية، التعليم، الرعاية الصحية، والميراث. يعيش هؤلاء الأطفال في مجتمعاتهم كأشباح، محرومين من أبسط حقوق المواطنة، مما يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية والمستقبلية.

  تفكك النسيج الاجتماعي: يساهم انتشار الزواج العرفي في تفكك الروابط الأسرية ويزيد من نسبة الأطفال مجهولي النسب، مما يشكل عبئًا على الدولة والمجتمع. كما يفتح الباب أمام العديد من المشكلات الاجتماعية والأخلاقية، ويهدد استقرار الأسر التقليدية.

  صعوبة إثبات الحالة الزوجية: يواجه الزوجان صعوبة في إثبات حالتهما الزوجية أمام الجهات الرسمية، مما يعيق حصولهما على العديد من الخدمات، كالقروض أو التراخيص، أو حتى تسجيل الأبناء في المدارس.

  تداعيات قانونية على الرجل: رغم أن الرجل قد يرى في الزواج العرفي حلاً سهلًا، إلا أنه قد يواجه تداعيات قانونية خطيرة في حال إنكار الزوجة لنسب الأطفال أو رفع دعاوى إثبات نسب أو نفقة.

ضرورة التوعية والتشديد القانوني

لمواجهة هذه "القنبلة الموقوتة"، يجب أن تتضافر جهود جميع الأطراف:

  التوعية المجتمعية: لا بد من حملات توعية مكثفة، عبر وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية والتعليمية، لتسليط الضوء على مخاطر الزواج العرفي وتداعياته السلبية على الفرد والمجتمع، مع التركيز على حقوق المرأة والأبناء.

  الدور التشريعي: على الجهات التشريعية مراجعة القوانين وتغليظ العقوبات على كل من يشارك في عقود الزواج العرفي، مع ضرورة تسهيل إجراءات الزواج الرسمي وتقليل تكاليفه ليكون في متناول الجميع.

  دور المؤسسات الدينية: يجب على رجال الدين التأكيد على أهمية التوثيق الرسمي للزواج من منظور شرعي، وأنه يحفظ الحقوق ويمنع التلاعب.

في الختام، الزواج العرفي ليس مجرد ورقة أو صيغة، بل هو معول يهدم أساس الأسرة والمجتمع. يجب أن ندرك جميعًا خطورته ونعمل على القضاء عليه للحفاظ على كرامة الأفراد وحقوق الأجيال القادمة، وضمان استقرار ورفعة مجتمعاتنا.

Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*