زلزال وعاصفة تهز القيم: عندما يهون العِرف ويتطاول المتطاولون
بقلم الكاتب : حجاب حسن
في دروب الحياة المتعرجة، قلّما تجد سندًا حقيقيًا يشد من أزرك وقت الشدة، ويدعمك حين تشتد عليك الخطوب. وحين تجده، فذاك كنزٌ لا يُقدّر بثمن، تتوالى الأيام وتتعاقب الليالي ويبقى ذكره الطيب محفورًا في ذاكرة الوفاء. لكن، ما أشد وطأة الصدمة حين ينقلب المشهد، وتتحول يد العون إلى لسانٍ سليط، وشهامة الوقوف إلى جحود وتطاول على من كان لك عونًا في أشد أوقات ضيقك. إنها لحظات أشبه بالزلزال الذي يهز الأرض من تحت قدميك، والعاصفة التي تعصف بكل قيم الوفاء والتقدير.
إن الإقدام على عدم احترام من مدّ لك يد العون وقت حاجتك، والتطاول عليه، هو ليس مجرد زلة لسان أو غفلة عابرة. إنه انعكاسٌ لخللٍ عميق في منظومة القيم الشخصية، وتعبيرٌ صارخ عن غياب أبسط مبادئ النبل والشهامة. فالمواقف الصعبة هي المحك الحقيقي الذي يكشف معادن الناس، ويُظهر أصالة النفوس من زيفها. ومن ينسى أو يتناسى فضل من وقف بجواره، فهو إنسانٌ قد فقد بوصلة الأخلاق، وتنكّر لأهم معاني الإنسانية.
إن هذا السلوك، الذي يندرج تحت مظلة "نكران الجميل"، لا يؤذي فقط الشخص الذي تعرض للتطاول، بل يمتد أثره ليشمل المجتمع ككل. فهو يقوّض الثقة بين الأفراد، ويزرع بذور الشك والريبة، ويجعل المرء يحجم عن تقديم المساعدة خوفًا من أن يُقابل إحسانه بالإساءة. وعندما تتراجع قيم الوفاء والتقدير، يصبح المجتمع أشبه بكيان مهلهل، تتهدده عوامل التفكك والانحدار.
فلنعد إلى أنفسنا، ولنراجع ميزان قيمنا. هل أصبحنا نرى العرف شيئًا ثانويًا يمكن الاستغناء عنه؟ وهل أضحى التطاول على أصحاب الفضل أمرًا هيّنًا لا يستدعي وقفة ضمير؟ إن احترام من وقف بجوارك في ضيقتك ليس مجرد مجاملة اجتماعية، بل هو واجب أخلاقي وإنساني. هو عربون وفاء وشكر، وتأكيد على أن قيم الأصالة لا تزال حية في نفوسنا.
إننا بحاجة ماسة إلى إعادة ترسيخ هذه القيم النبيلة في وجدان الأجيال، وتعزيز ثقافة العرفان بالجميل، والتصدي بحزم لكل مظاهر التطاول ونكران الفضل. لأن المجتمع الذي يُقدّر أهله من وقفوا معهم في الشدائد، هو مجتمع قوي ومتماسك، قادر على تجاوز الأزمات، وبناء مستقبل أفضل قوامه الاحترام والوفاء.