قصة قصيرة بعنوان .... " رحلة حلم " بقلم / أحمد البرغوتي

نسمات الحياة
0

 

قصة قصيرة بعنوان .... "

 رحلة حلم " 

                                                              بقلم / أحمد البرغوتي      


            



في ليلة سطع فيها القمر ، وتلألأت فيها النجوم ، وهبت نسمات هواء الربيع الهادئة، الهدوء يسود المكان الذي لا يسمع فيه إلا صوت الضفادع ونباح الكلاب ، جلس صبي لم يتجاوز الثلاثة عشر عاما يعيش في حقبة الثمانينات في حقل من حقول القمح المحصود ، كان الصبي متكئا على أشولة القمح الذهبي ينتظر والده الذي تركه بمفرده وذهب ليحضر المساعدة في نقل المحصول ، أسند هذا الصبي ظهره شبه راقدا على أحد أشولة القمح ينظر إلى السماء يتابع فيها النجوم الساطعة وكأنه يريد احصاء أعدادها المنتشرة وبينما هو في تأملاته سبح بفكره في أيام الريف البسيطة عندما كان يقضي بضع أيام مع أبناء أعمامه وعماته ،، تذكر عمته ذات الستين عاما وهي تجلس تحت بقرتها تحلب الحليب الطازج ولاتنام حتى يشرب الجميع منه وفي الصباح كانت أول المستيقظين تعد " القربة " وهو وعاء من جلد الماعز كانت تضع فيه اللبن الطازج لتصنع منه الجبن القريش والزبدة ، تذكر أيضا عمه الرجل المسن ذو الشارب الكثيف الذي يمسك في يده عصا غليظة من الخرزان الصلب وهو يجلس على " الدكة " تحت شجرة النبق في الهواء الطلق وحوله الناس يتسامرون في هيبة ووقار حتى الدعابة و الضحكة كانت بهيبة ووقار ، تذكر اللعب مع أبناء عمه وسط الحقول الواسعة ، تذكر استحمامه في ماء الترعة الصافي ، تذكر صيد السمك بالسنارة ، تذكر الكثير من حياة الريف الجميلة البسيطة ، لكنه كان شغوفا لمعرفة المستقبل وكان يحلم مرارا به وكيف يذهب إليه ليرى ما فيه ويسأل نفسه هل هي شبيهة بحياة الواقع أم أنها ستختلف كثيرا ، وبينما هو في أفكاره وتخيلاته وجد أحد النجوم في السماء يتحرك بأضوائه الشديدة وكأنه يقترب شيئا فشيئا من الأرض بسرعة كبيرة وأضوائه تزداد حتى لم يرى ما حوله من شدة هذا الضوء اللامع الشديد وبينما ينظر لهذا الضوء لمح شخصا غريبا هيئته غريبة يخرج من وسط هذا الضوء يقترب من الصبي المفزوع ويمد يده على كتفه ليطمئنه وقال له " حقا أيها الصبي الذكي تريد الاطلاع على المستقبل " أجاب الصبي بصوت مزعور مرتجف " نعم '" فقال له " إذا تعالى معي وسوف ترى المستقبل " ، أخذه من يده وسار به بين الأضواء الشديدة ليدخل غرفة غريبة بها شاشة عملاقة تشبه شاشة تليفزيون بيته الابيض والأسود ، لكن هذه الشاشة مختلفة فكانت تعرض أفلاما بالألوان الطبيعية الجذابة وبينما كان الصبي في حيرته بدأت الشاشة في عرض فيلما يجسد واقعا عرف أنه من المستقبل ، وجد فيه الصبي واقعا غريبا مريرا وحياة أغرب حيث رأى ناس يعيشون في بيت واحد وكأنهم غرباء حيث وجد الجميع يمسكون بلوح يشع ضوءا وألوانا مبهرة ينظر إليه الجميع في ثبات مخيف لا يرى إلا أصابعهم وهي تنقر في هذا اللوح ليتغير كل شيئ في لحظات ، رأى مشهدا آخر لشارع مكتظ بالمارة والسيارات غريبة الشكل وكأنها سفن فضاء ، ومركبات أخرى عددها كاد يغطي الشارع بأكمله تسير على ثلاث عجلات فقط يخرج منها صوت ضوضاء عالية يشبه الغناء أو الموسيقى ، وفي مشهد آخر وجد عددا كثيرا من المقاهي الفاخرة منتشرة في كل مكان أغلب الجالسون فيها من الشباب الصغير ذو الهيئة الغريبة حيث ملابسهم وألوانها غريبة ، وقصات شعرهم أيضا غريبة وطريقة التحدث مع بعضهم أيضا غريبة ، وكل واحد يضع في فمه الشيشة التي يعرفها ، ولكن كانوا يشربون مشروبات لا يعرفها ، كان أغلب أحاديثهم عن السفر والهجرة وترك البلاد ، وآخرون عن الزواج والنساء ، وآخرون أمام شاشة كبيرة لا تعرض إلا أحداثا غريبة كلها تحرشات ومشاجرات ، وحروب وثورات وانتشار للأمراض ، وتحذيرات مستمرة من عواصف وبراكين وزلازل وغيرها .. كل ذلك مضى في بضع دقائق ليرى حقيقة المستقبل الذي يريد معرفته والعيش فيه وسرعان ما أخذ الصبي في الصراخ بصوت عال " لا أريد المستقبل .. لا أريد المستقبل فالواقع أجمل .. فالواقع أجمل " وفي تلك اللحظات شعر بيد تهز كتفه بشدة وصوت يشبه صوت والده وهو يقول " استيقظ يا بني .. استيقظ يا بني أنت نمت .. انهض نريد نقل أشولة القمح إلى البيت " وفتح عيناه ليرى والده وقد أحضر أحد أبناء عمه وبعض الحمير التي سوف ينقلون القمح عليها ، وركب الصبي حماره الذي يحمل شوال القمح وهو يسير بين الحقول وبجواره ترعة تلمع مياهها على ضوء القمر الساطع في هذا الليل الهادئ وهو يتفوه بكلمات ويقول " نعم .. الواقع أجمل .. الواقع أجمل .


Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*