زمان. ودلوقتي
فيه حاجة في الزمن زمان كانت بتطمنّك، حتى لو الدنيا بسيطة.
ريحة الغُطا اللي اتغسلت في الشمس، ضحكة الجارة من الشباك، صوت أمك وهي بتنده عليك عشان العشا...
كانت الحاجات دي صغيرة، بس كانت بتخلي الدنيا كبيرة، حنينة، ومليانة أمان.
دلوقتي؟ نفس الحاجات دي بقت ذِكرى... وكأنها من مسلسل قديم بنحكيه لولادنا، ومش مصدقين إنه كان حقيقي.
زمان، كان الولد بيخاف يغلط، مش بس خوف من العقاب، لكن خوف من زعل أهله ومن نظرة الناس. كان بيستأذن وهو داخل أو خارج، يقول "لو سمحت" و"شكراً" و"حاضر يا بابا" و"حاضر يا ماما". كان بيشيل الشنطة عن أمه، ويساعد أبوه من غير ما يطلب، وكان لو حد كبير دخل الأوضة، يقوم يقف احترام. دلوقتي، بقت كلمة "عيب" غريبة، وبقى الأدب عند ناس شطارة، وعند ناس تانية تخلف. بقينا نشوف أولاد صغيرة بترد على أهلها، وناس تقول: "سيبوه يعبر عن نفسه!"، بس هو مش بيعبر... هو تايه. مش عارف حدود ولا فاهم مسؤولية، ولا عارف يعني إيه يحترم نفسه قبل غيره.
الناس زمان كانت بتخاف على بعض، الست الكبيرة في الشارع كانت أم للكل، والجار كان أخ وسند، ولو حد غاب، نسأل عليه. لو حصل فرح، الكل يفرح، ولو حصلت مصيبة، الكل يشيل. دلوقتي، بقينا نخاف من بعض، ونسينا نخاف على بعض. الزيارات قلت، والعزومات اختفت، والسؤال بقى برسالة، ولو حصلت مصيبة، الناس تتفرج وتصور قبل ما تساعد. بقينا نخبّي دمعتنا من الناس، بدل ما نحطها في إيدين بعض زي زمان.
أما العادات، فكانت زمان لها طعم تاني. كان للأكل ميعاد، وللنوم ميعاد، وللمة العيلة قدسية. الجمعة كانت يوم العيلة، يوم الضحكة واللمة والبركة. كنا نلبس للعيد لبس مخصوص، ونعيش ليلة العيد بفرحة حقيقية. كنا نستنى طبق الأم، ولمة الجد والجدة، ونهرب من الشارع عشان نلحق صوت أم كلثوم في الراديو. دلوقتي؟ الأكل دليفري، والعيد بوست على الفيس، واللمة على جروب واتساب.
ناس كتير بتقول الزمن اتغير، بس الحقيقة إن إحنا اللي اتغيرنا. اهتمينا بالشكل ونسينا الجوهر. جبنا لأولادنا كل حاجة، ونسينا نديهم أهم حاجة: حضن، كلمة، حكاية قبل النوم، وقدوة يشوفوها مش بس يسمعوا عنها. دخلنا التكنولوجيا بيوتنا، وسبنا الحكايات تخرج. ربّينا أولادنا على الراحة، ونسينا نعلّمهم الصبر، بقينا ندوّر على إزاي يسعدوا نفسهم، ونسينا نعلّمهم إزاي يسعدوا اللي حواليهم.
بس لسه في أمل، لو بدأنا نرجّع القيم، مش نحكي عن زمان عشان يتحكوا، لكن عشان يتعلموا. نرجّع كلمة "عيب" تاني تبقى ميزان، ونرجّع الاحترام يبقى عادة. نسمع ولادنا، ونقعد معاهم، ونكون إحنا الأمان اللي بيرجعوا له بعد أي حاجة. لأن الزمن مش وحش، إحنا اللي سيبنا الحلو يضيع من بين إيدينا.
ويمكن كل اللي محتاجينه... مش نرجّع الزمن، لكن نرجّع نفسنا
نصرا ابراهيم
( أوبرا النوبة )