شاد آفوري. عبدالرحمن محمد حسن )

نسمات الحياة
0

 (( شاد آفوري ))



تلقفني الخواجة جورج مارديك جاسيان منذ أن كنت تلميذاً بالصف الخامس الإبتدائي ، حيث ألتحقت بالعمل لديه في محل الترزي الذي يمتلكه بجوار محطة ترام الإبراهيمية ، تعهدني الخواجه جورج بالتربية والرعاية وعشت في كنفه حتي صرت شاباً يافعاً ، أما أيامي معه فقد كانت ( شاد آفوري ) ...و ( شاد آفوري ) كلمة أرمنية علمني إياها الخواجة جورج مع كلمات أخري كثيرة وهي تعني ( جميل جدا ً) ....

مع كل نجاح أحرزه في سنوات الدراسة ، وفي كل مرة كان الخواجة جورج يطالع فيها شهادة درجاتي الشهرية كان يستخفه الطرب ويصيح فرحاً قائلاً : شاد آفوري ....وكأنني أبنه من صلبه ولست مجرد صبي يعمل في محله.

شهدت زواج الخواجه جورج من شابة سورية من أصل أرمني تدعي ( ليديا ) ، كانت جميلة وفي غاية الرقة والعذوبة ، وعندما سألني الخواجة جورج عن رأيه في عروسه صحت بفرح : شاد آفوري ....شاد آفوري.

أنجبت ليديا للخواجة جورج ولدين : نيشان ، وزافين ....تربيا علي يدي وأحببتهما وأحباني ...فقد كانا في غاية العذوبة والجمال ...كانا بحق : شاد آفوري.

كبرت في كنف الخواجة جورج وصرت شاباً يافعاً ، وكان لزاماً عليّ أن أنفصل عنه لأشق طريقي في الحياة.

 مشاغل الحياة وتكاليف العيش أخذاني بعيداً عن الخواجة جورج ، وغبت عنه سنوات وسنوات أما أيامه الجميلة وذكرياته العذبة فقد ظلت ماكثة في أعز ركن من قلبي وقد أستعصت علي النسيان ، فكيف أنسي تلك الأيام وتلك الذكريات وقد كانت : شاد آفوري....أقصد كانت في غاية الجمال .

أضطررت كارهاً إلي هجرة حي ( الإبراهيمية ) موطن ذكرياتي...وحيث منزل ومحل الخواجة جورج ...

سكنت بعيداً....وصرت أتسقط أخبار الخواجة جورج عن بُعد ....علمت أن والده الخواجة( مارديك ) قد توفي...وعلمت أيضاً أن والدته مدام ( أناهيد ) قد رحلت هي الأخري ...أما إبناه نيشان وزافين فقد كبرا وهاجرا إلي أمريكا حيث تعيش خالتهما منذ سنوات .

وكنت لاأدري هل يعلم الخواجة جورج شيئاً من أخباري...هل أنبأه أحد أنني قد تزوجت من إنسانة فاضلة ...وهل أخبره أحد أنني قد رزقت بطفلة جميلة أسميتها( نورا ) ، وقد كبرت ( نورا ) الآن وصارت شابة يافعة أستوت علي عرش العذوبة والفتنة ....وهل قال له أحد أنني دوماً أتلو علي مسامع ( نورا ) فصولاً من رواية المحبة والعطاء والوفاء الجميل التي عشتها في ظلال الخواجة جورج ...لست أدري هل أخبره أحد بكل تلك الأمور ...أم لا.

وفي يوم من أيام الزمن الجميل كنت في زيارة لمنزل أخي الأكبر بحي ( الإبراهيمية ) وكان معي أسرتي الصغيرة السعيدة التي تتألف من زوجتي وإبنتي الشابة ( نورا ) ...في ذلك اليوم توسلت إليّ إبنتي ( نورا ) أن اصطحبها لزيارة مركز مينا التجاري بشارع لاجيتية لشراء بعض الأكسسوارات ، وكعادتي لم أستطع أن أخالف للأميرة أمراً...فأوامر الأمراء هي أمراء الأوامر...وسرت معها في شارع لاجيتية يدها في يدي... وفجأة ومن بين الزحام لمحت الخواجة ( جورج ) ماثلاً أمامي بشحمه ولحمه ...ولكن كم آلمني وأحزنني رؤية ماحاق به من تدهور ، فقد رأيت فيه عجوزاً متهدماً يسير بالكاد معتمداً علي نفس العصا التي كان يتوكأ عليها والده الخواجة ( مارديك ) ...فرحة الخواجة ( جورج ) بلقائي كانت غامرة... أحتضنني وظل يقبلني بكل محبة الوجود...ثم حانت منه إلتفاته إلي إبنتي ( نورا ) والتي كانت تتابع حرارة لقاءنا وهي تبتسم بشغف وسعادة ، فحياها الرجل بأبتسامته البشوشة الوضاءة، ثم غمز لي بطرف عينه اليسري وهمس قائلاً : شاد آفوري...وتركني ورحل ، وكانت تلك هي المرة الأخيرة التي أراه فيها 😥


(( عبدالرحمن محمد حسن ))

Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*