بقلم : شماء محمود
تُعد عاطفة الأمومة من أسمى وأنقى المشاعر الإنسانية، فهي تتجسد في حب غير مشروط، تضحية لا متناهية، وعطاء بلا حدود نحو الأبناء. هذه العاطفة هي المحرك الأساسي وراء رحلة الأم في تربية أطفالها، حيث تبذل قصارى جهدها لتوفير بيئة صحية وآمنة لنموهم، وتعمل على غرس القيم والأخلاق الحميدة فيهم، وتحرص على دعمهم في كل خطوة من حياتهم. إنها رحلة مليئة بالتفحديات والمسؤوليات، لكنها تتوج بلحظات من الفرح والرضا لا تُضاهى عندما ترى ثمار تعبها واجتهادها.
الأمومة: تضحية وعطاء بلا حدود
منذ اللحظة الأولى للحمل، تبدأ الأم في نسج علاقة فريدة مع طفلها المنتظر. تتغير أولوياتها، وتتحول حياتها لتتمحور حول هذا الكائن الصغير. بعد الولادة، تنغمس الأم في رعاية طفلها، وتصبح عيناها ساهرتين وقلبها ينبض بالخوف والحنان معاً. إنها تمضي الليالي في سهر، وتتحمل التعب والإرهاق، وتؤجل أحلامها وطموحاتها الشخصية في سبيل راحة وسعادة أبنائها.
تقوم الأم بدور المعلمة الأولى، والمربية، والطبيبة، والمستشارة النفسية. تعلم أبناءها المشي والكلام، وتوجههم في مسيرتهم التعليمية، وتساندهم في أخطائهم وانتصاراتهم. تحرص على بناء شخصياتهم، وتزرع فيهم الثقة بالنفس، وتشجعهم على تحقيق طموحاتهم. كل هذه الجهود تنبع من حب عميق ورغبة صادقة في رؤية أبنائها أفضل الناس، ناجحين وسعداء في حياتهم.
جحود الأبناء: صدمة تؤلم القلوب
في المقابل، قد تواجه هذه العاطفة النبيلة صدمة قاسية عندما تُقابل بـجحود الأبناء. هذا الجحود قد يتجلى في صور متعددة، مثل:
الإهمال والتجاهل: عدم الاهتمام بالأم في كبرها، وتجاهل حاجاتها ورغباتها.
نكران الجميل: عدم الاعتراف بالجهود والتضحيات التي بذلتها الأم في سبيلهم، واعتبارها أموراً مسلم بها.
الكلمات الجارحة والمعاملة القاسية: التحدث مع الأم بطريقة غير لائقة، أو معاملتها بخشونة وقلة احترام.
الانشغال الدائم بالحياة الشخصية: إعطاء الأولوية المطلقة للشريك والأبناء والأصدقاء على حساب الأم، وتركها وحيدة.
التهرب من المسؤولية: عدم تحمل المسؤولية تجاه رعاية الأم عند حاجتها، وتركها لمصيرها.
هذه التصرفات لا تؤثر فقط على الجانب العاطفي للأم، بل قد تؤثر على صحتها النفسية والجسدية. تشعر الأم بالخيبة والألم، وقد ينتابها شعور عميق بالحزن والأسى على سنوات عمرها التي أفنتها في خدمة أبنائها. إنها تتساءل كيف يمكن للحب الذي زرعته أن يُقابل بهذا الجفاء.
أسباب جحود الأبناء
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى جحود الأبناء، وقد تكون معقدة ومتشابكة. من هذه الأسباب:
التربية الخاطئة: قد يكون الإفراط في التدليل، أو على النقيض، القسوة المفرطة، قد ساهمت في نشأة شخصيات غير مسؤولة وغير مقدرة للعطاء.
التأثيرات الخارجية: الضغوط الحياتية، التأثر بثقافة الأنانية والاستهلاك، أو صحبة السوء قد تلعب دوراً في تغيير نظرة الأبناء تجاه واجباتهم الأسرية.
الخلافات الأسرية: وجود توتر أو صراعات داخل الأسرة قد يؤثر على العلاقة بين الأبناء والأم.
ضعف الوازع الديني والأخلاقي: عدم غرس قيم البر والإحسان في نفوس الأبناء.
غياب التواصل الفعال: عدم وجود حوار مفتوح وصادق بين الأم والأبناء قد يؤدي إلى سوء فهم وتباعد.
نحو علاقة أفضل: التوعية والتقدير
لمواجهة ظاهرة جحود الأبناء، يجب العمل على عدة محاور:
التركيز على التربية السليمة: غرس قيم الاحترام، التقدير، المسؤولية، والعطاء منذ الصغر. تعليم الأبناء أن العطاء ليس فقط مادياً، بل هو أيضاً عاطفي ومعنوي.
توعية المجتمع: تسليط الضوء على أهمية بر الوالدين ومكانتهما في الدين والقيم الإنسانية.
الحوار والتواصل: تشجيع الحوار المفتوح داخل الأسرة لتعزيز التفاهم وحل المشكلات.
القدوة الحسنة: على الآباء أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم في كيفية معاملة آبائهم وأمهاتهم.