الصورة يلي سبقت الأكشن: محمود طارق بيحط توقيعه ع بوستر "في عز الضهر"... ولما التصميم بيصير لغة سينيما!

حجاب حسن
0


تغطية خاصة من القاهرة 

الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر



فيه ناس بتكتفي تحضر فيلم وتشوف البطل وقت يصرّخ، يركض، يضرب، يحبّ، يتخبّى، يواجه، بس قليل يلي بينتبهوا إنّو الفيلم الحقيقي بلّش من قبل أول لقطة، من لحظة نزل البوستر، من الصورة الأولى يلي بتخطف عينك بالشارع، ع السوشيال، أو فوق بوابة السينما… وهون، من هيدي اللحظة بالتحديد، بيبدأ سحر محمود طارق، مصمم البوسترات المصري يلي صار اسمو يتردد متل توقيع فنان تشكيلي بيحط بصمتو ع لوحة ما بتتشاف إلا لمّا توقف قدّامها وتنبهر.


محمود ما كان عم يشتغل تصميم عادي، كان عم يحضّر لصورة رح تحكي أكتر من ألف كلمة، صورة رح تحمل اسم "في عز الضهر"، فيلم بيجمع الأكشن بالغموض، الجريمة بالإثارة، والنجومية العالمية بالعقلية المصرية، ببطولة النجم مينا مسعود، ابن الأرض العربية يلي رجع من هوليوود، مشان يلبّس شخصية زعيم عصابة دولية ما إلو ملامح، ولا إسم، ولا وطن… شخصية بتلفّ دول، بتعمل عمليات، وبتخلي العالم الأمني يركض وراها من بلد لبلد وما يلقطها، إلا يمكن... بـ"عز الضهر".


وهون، كان في صورة لازم تحكي هالقصة كلها... بلا سيناريو، بلا صوت، بلا مؤثرات... بس بعيون، بظل، بلون. وهيدا كان تحدي محمود طارق.


من أول تليفون... لهيدا الإنجاز البصري


القصة بلّشت باتصال غير متوقّع من المطربة ساندي، يلي لعبت دور الجسر بين محمود والمخرج مرقس عادل. بيقول محمود: "حكولي الفكرة بسرعة، حكولي بدنا خيال، بدنا شي مجنون، شي بيشدّك من أول رمشة عين... وأنا كنت حاضر"، وهون، بدون لف ودوران، بلّش التفكير، الاشتغال، والسهر ع تصميم ما بيشبه شي، تصميم لازم يلبّس مينا مسعود شخصية مش مفهومة، شخصية بتخوف وبتغري بوقت واحد.


البوستر: وجه الغموض، وشبح الأكشن


عشر أيام اشتغل فيهم محمود طارق متل اللي داخل مختبر سري، بين برامج تصميم، أدوات تعديل، layers عم تتراكم، ألوان عم تتشطب، وخطوط عم تتهذّب... ليطلع في الآخر بوستر بيوقف الزمن! مينا مسعود ظاهر فيه بشكل ما شفناه من قبل: نظرة بتقلك "أنا الخطر"، silhouette بيوحي إنّو ورا كل زاوية في مصيبة، خلفية فيها نار وهدوء بنفس الوقت، وفي شي بالصورة بيخليك تسأل: "مين هو؟ وليه جايي ع مصر؟ وليه هالضو واقع على وجهو بهالطريقة؟"


ما كان فيه مجال للغلط. الصورة كانت لازم تسبق الأحداث وتبيع الفكرة قبل ما الناس تعرف القصة. والحلو؟ إنو أول ما بعت محمود التصميم لفريق الفيلم، الموافقة إجت فورًا، بدون تعليق، بدون تعديل. بيقول: "كانت الصدمة إيجابية، حسّيت إنو وصلت، إنو البوستر سبقني وسبق الفيلم، وصار له كيان".


الصورة مش بس شكل... الصورة إحساس


يلي ما بيعرف، يفكّر إنو التصميم "شغل زرار"، بس الحقيقة؟ التصميم هو علم نفس بصري، هو لعبة وعي، هو تلاعب باللاوعي. البوستر مش بس صورة... هو المفتاح يلي بيفتح باب الأسئلة. ومحمود لعب هاللعبة بإتقان، وخلق بوستر بيحملك ع عالم كامل، بس من نظرة واحدة. بتشوف الصورة، وبتنغمس جوّاها، وبتصير تسأل حالك: "هل رح يكون بطل؟ ولا مجرم؟ هل رح يهرب؟ ولا ينفضح؟".


الناس شافت البوستر... وحسّت إنو شافت مشهد!


ما إن نزل البوستر ع السوشيال، حتى انفجرت التعليقات، الناس مبهوّرة، عم تحاول تفسّر، عم تشرّح الظلال، وعم تخلق سيناريوهات من تصميم صامت. وهيدا بحد ذاتو نجاح ما بينقاس بلغة الإنتاج، بل بلغة التأثير.


محمود طارق... المصمم يلي بيكتب قصص بدون حروف


بهالعصر يلي الصور عم تتكرر، والتصاميم عم تتشابه، بيجي مصمم متل محمود طارق ليكسر القاعدة، ويعمل بوستر بيضرب بالعين وبيظلّ بالرأس. لأنه ما بيشتغل بوستر... بيشتغل حلم، بيشتغل هوية، وبيترك بصمة. ومشاركته بـ"في عز الضهر" ما كانت شغل لحظة، كانت شغل مسيرة، كانت إعلان إنو التصميم صار لغة سينمائية بحد ذاتها.

فإذا كان مينا مسعود لعب دور الزعيم، محمود طارق كان هو العرّاب البصري لهالدور، الصورة يلي بتقلك "شوف الفيلم، لأنك أصلاً شفت الوجع بعين البوستر".


البوستر مش إعلان... البوستر هويّة، وهويّة الفيلم بلّش رسمها محمود طارق من أول رمشة!


لما بتهب ريح الإبداع، وبيكون فيه عقل بصري بيشوف قبل ما الناس تشوف، وبيحسّ قبل ما الكاميرا تشتغل، هون منقول نحنا مش قدام مصمم جرافيك... منقول نحنا قدام "مخرج خلف الكواليس"، قدّام رسّام لحظات ما بتنرسم، قدّام شاعر ما بيكتب بالحبر، بل بالضوء والظلّ والخيال. وهيدا كلّو بينطبق ع اسم صار اليوم يتردّد بين محترفي الفن السابع... محمود طارق.


يلي عمله محمود بفيلم "في عز الضهر" ما كان مجرّد "مشاركة"... كان شراكة فنية، مشاركة حسّية بتأسيس أول انطباع، أول نبضة، أول صورة بتوصل للمشاهد قبل ما يقرر حتى إذا بده يحضر الفيلم أو لا. ومين ما حضر البوستر، فهم إنو فيه شي عم يغلي... فيه قصة عم تتخبّى ورا ملامح غامضة، ورا خلفية نار ساكتة، ورا خطوط مشطوبة بالسكين البصري.

وبزمن السرعة، زمن التمرير والتمرير، زمن العين يلي ما بتوقف، قدر محمود يخلي الناس تتوقف عند الصورة، تسأل، تتأمل، تحسّ... وهاد الشي مش بسيط. لأنو البوستر يلي خلقه مش تسويقي بس، هو محفّز شعوري، هو مصيدة أنيقة للعين، فخ للفضول، مفتاح لألف حكاية.


وما فينا ننسى إنّو محمود ما اشتغل لحالو، بل انخرط بفريق عمل بيحمل أحلام، إخراج برؤية، إنتاج بثقة، ونجومية عالمية بحجم مينا مسعود، يلي تقاطع مساره مع نظرة محمود طارق بأحلى صدفة فنية. صدفة خلّقت لوحة ممكن تنحفر بذاكرة السينما العربية، وتترجم قدّيش الصورة ممكن تكون أقوى من الكلمة، وقدّيش المصمم ممكن يكون مؤلف، حتى لو ما كتب حرف.


الجميل بالأمر، إنو اللي عمله محمود ما بينتهي بنزول الفيلم، ولا بينحصر بعرضه بدور السينما، بالعكس، تصميمه صار وثيقة مرئية، بصمة بترافق الفيلم بكل مكان، بتتطبع ع البوسترات، بتتحفر بالذاكرة الجماعية، وبتعيش سنين بعد ما يخلص العرض.


اليوم، كل مصمم بيطمح يعمل شغل يتذكره الناس، بس قليل يلي بيخلق "صورة" بتعيش متل مشهد. ومحمود طارق، بهالمشاركة، أثبت إنو قادر يحوّل الخيال لحقيقة ملموسة، وإنو البوستر بإيديه ما بقى بس وسيلة تعريف... بل صار وسيلة تأثير.


وهون، منختم بسؤال ما بينسأل كتير:

قدّيش بتستحق الصورة إنّا نقراها متل ما منقرا مشهد؟

وقدّيش مصممين متل محمود طارق، هنّي فعليًا "صنّاع مشاهد من نوع آخر"؟

ويمكن الجواب، بعيون الناس، صار واضح...

لأنو لما بوستر بصير حديث الناس، ويعيش قبل وبعد العرض، منعرف إنّو التصميم كان أكتر من مجهود... كان بداية رواية بصريّة، عم يحكيها فنان اسمو محمود طارق. 

Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*