شئنا أم لم نشأ... حكمة القدر
كلمات : حجاب حسن
تتهادى الكلمات على ألسنة الزمان، تُسافر مع الريح وتستقر في أعماق الوجدان، "شئنا أم لم نشأ فهذا قدرنا". ليست مجرد جملة، بل هي حكمةٌ عتيقة، فلسفةٌ تتجلى في كل نبضٍ من نبضات الحياة، وفي كل منعطفٍ يسوقنا إليه المجهول.
كم من مرةٍ رسمنا دروبًا بأيدينا، وشيّدنا أحلامًا بقوة إرادتنا، فإذا بالقدر يبتسم بخفوت، ويُغيّر المسار بخيطٍ غير مرئي. قد نُقاوم، قد نُجادل، قد نُسقط دموعًا على ما فات، ولكن في النهاية، نجد أنفسنا خاضعين لقوةٍ تفوق قوانا، لقوةٍ تُعرف بالقدر.
هو ليس سجنًا يقيد خطانا، بل هو خارطةٌ رُسمت ببراعة إلهية. قد يُبعدنا عن مرادٍ ظنناه الخير كله، ليقودنا إلى وجهةٍ لم تخطر لنا ببال، تحمل في طياتها من الخير ما لم نكن لنُدركه. قد يُحرمنا من عزيزٍ فنُدرك قيمة البقاء، وقد يُسقطنا في بئرٍ عميقة فنكتشف في أنفسنا قوة لم نكن لنعلم بوجودها.
"شئنا أم لم نشأ"، تلك العبارة تحمل في طياتها معنى التسليم لا الاستسلام. التسليم لقوةٍ عليا، للإيمان بأن لكل شيءٍ حكمة، وأن كل مصابرةٍ تُقابل بأجر، وكل تضحيةٍ تُثمر نجاحًا وإن بدا متأخرًا. إنها دعوةٌ للتأمل في مسارات الحياة، وقبول ما لا نستطيع تغييره بروحٍ راضية وقلبٍ مطمئن.
فهل نُجهد أرواحنا في معارك خاسرة مع ما كُتب؟ أم نُبحر مع تيار القدر، نُجذف حيثما يأمرنا، ونُؤمن بأن في كل قدرٍ خيرٌ لنا، وإن لم نُبصره بقلوبنا وعقولنا الضيقة؟ لعلها دعوةٌ للسلام الداخلي، ولليقين بأن الأقدار مهما قست، هي في جوهرها رحمةٌ من لدن حكيمٍ عليم.