لا نحتاج لحبر ولا لورق...
لقد كانت أرواحا تائهة، و كان انتماءا غير مكتمل، كنا نجيد الخسارة، نكسر الأبواب و نحتفظ بالمفاتيح، منتهى الشقاء كنا نحترفه، و نعلم أن ربحنا الوحيد هو الحزن و الأسى، لذا لن نخبركم بهذا، لقد قيل عنا: إنهم أناس سيئون جدا.
عجيب أن تقطع مخالب الثعلب و تكون الراعي ، فتنام و لا تحرس الغنم، فما عادت الكلاب وفية كما في العهد السالف، لا تعدد خسائرك فحثما أنت الرابح ، مشاعر لا تنسى ، تتلخص أننا كنا نحب و نشعر أننا لا زلنا نحب.
لا تبتسموا بتلك الإبتسامة الكاذبة المزيفة ، فأنتم الوعد الكاذب ، و الحلم المبعثر، و أعمارنا كانت قرابين، كنا نصرخ نتألم و نعاني، كلها فصولا مرت و توالت علينا، وكان صمتنا هو آخرها، فخارج كل جدار كنا نقيم في ساحة الوعي، و كنا نحن المجانين ، نخوض تلك الحرب كي نعبر إلى الأمل من الألم، ترى أهو مجرد وهم تراكم علينا ، من قسوة ما مر بنا حتى وصلنا إلى الهاوية؟!
متى ! سوف نعود كما كنا؟!
فلا تنتظروا منا السقوط فنحن بخير
نتجاهل الحقيقة، نتمسك بالسراب، نخدع أنفسنا و قد اخترنا الرحيل، فيبقى مكبر الصوت يخبرنا بأننا كنا غرباء منذ البداية، نحن دوما رهائن الماضي و الحاضر، و نسائل كل الجروح لما ظهرت فجأة!
أين عناوينا، أين تلك الصفحات التي كتبت عنا؟ مجرد أوهام لذكريات ، مجرد لحظة من اللحظات النادرة، في زمن مضى و فات، كم كنا مصابيح خافتة في دروب الظلام، تراقصت حولنا يراعات الليل ، فكيف يا ترى الآن ستلتقي أجنحة النور و الرقص ؟! لقاء عابر و حضن كأحجية لم نقدر على فك لغزها حتى الآن.
باتت عودتنا طريفة و طويلة، رحلة تقمصنا فيها كل الأدوار، لم نشبه أشباهنا و لا أنفسنا، صراع كلما نلامسه ،تتقيض حريتنا، و نسجن أنفسنا بنفس الأحاسيس، نتجاهل الحقيقة و نرهق أجسادنا، تحترق عواطفنا، لقد مات شغفنا منذ البداية ، كسرت عظامنا ، وداك الركن الصغير بعقلنا ترفض به ألسنتنا البوح ، كل الألسنة أرهبتنا بكثرة الأسئلة ، التي لا زلنا لم نجيب عليها، صراع يسكننا ، فنختصر مشاعرنا بطول السهر و السمر ، ونهرب من لحظات البقاء، على قيد الحياة ، غاب عنا الدفئ و الحضن، و ما كنا نظن أنه هو السراب الذي تمسكنا به، ثم ننعطف و نختار الرحيل.
كلنا سيئون في حق أنفسننا، هي خطيئة نرتكبها نتزين بها خلف الخيال، أستحضر هنا تلك الجملة الشهيرة التي كتبها دوستويفسكي في رواية الأبله( نحن في هذا المضمار هو ) :{ لم يكن مجنونا ، لكنه كان إنسان يتألم ألما رهيبا}.
بصيغة الفرد، اعتبرت الصفاء ضعفي و معاناتي، فكانت الضريبة الوحيدة التي سددتها هي أنني كنت أضحك كثيرا على أتفه الأسباب، وكانوا لا يعلمون أنني كنت حينها أكثر وجعا، أدركت أنني حرف تائه، نبض ضال، و فراغ ممتلئ
كم هو غريب، قالوا عني كنت زائرا لفردوس مفقود، فوصفوني بالرديلة، ونعتوني على مقاس الرواية بالأبله، أقر و اعترف ، أنا من أخطأت الحساب، حين كنت أظن أنك وحدك كل الجميع، ففي ثنايا روحي خراب و حطامك الأزلي، وتلك النظرة القاتلة بعين دابلة، تبحث عن النجاة، أخدع نفسي بسرد قصص الآخرين ، و أدون خيبتي فصلا في قلبي على أنه ملاذ ، فكم أنا بارع في الكذب ، اطمئني لن ابحث عنك، و أدرك تماما أنها رسالة لم تصلك بعد، فالليالي البيضاء أتعبت قلبي دون رحمة، حتى اعتدت الظلام و العتمة، خسارتي قلبي ، لا أحتاج اليوم لا لحبر و لا لورق، كنت البداية و النهاية.
بقلمي أبو سلمى
مصطفى حدادي.