بنت ود: قصة حزن لأب خان الأمانة

خالد عبدالعزيز مبروك
0

 بنت ود: قصة حزن لأب خان الأمانة

             بقلم انتصارالحسين/العراق/من الواقع






في يوم من الأيام، بينما كنت أستعد لدرس القرآن، طرق الباب صوت خفيف ليد صغيرة. إذا بطفلة صغيرة تقترب وهي تحتضن القرآن الكريم بيدٍ رقيقة. كانت ثيابها رثة، ويديها تظهر عليها علامات العمل الشاق، وأضافرها ملطختا بالسواد. لفت حجابها ببساطة، وكأنها شابة صغيرة. لها وجه أسمر جميل ورموش طويلة تناثرت على خديها، وهي تنظر إلى الأرض بخجل عميق.

قلت لها: "تفضلي يا حلوة، هل جئتِ لدرس؟" أجابت بتردد وخجل، وعيونها لا تزال في الأرض، ولكن شفتاها بدأت ترتعش. حاولت ملاطفتها قائلة: "حبيبتي، تكلمي، لا تخافي، أنا مثل أمك. ماذا تريدين؟" قالت: "هل تعطيني ملابس للعيد؟" سألتها: "هل أنتِ يتيمة؟" أجابت: "نعم، يتيمة الأبوين." ازداد ارتعاش جسدها وشفاهها، وبدت وكأنها كسرت روحياً، ولكن فيها شيء من الطموح والتحدي.

قلت لها: "هوني عليك، كم أنتِ جميلة. ما اسمك؟" قالت: "اسمي بنت ود." سألتها عن اسم والدها، فقالت: "لا أعرف اسم والدي. الكل ينادونني بنت ود على اسم أمي." حاولت تغيير الموضوع لأنني لاحظت أن الطفلة على وشك البكاء. سألتها: "هل تدرسين معنا القرآن؟" قالت: "نعم، أريد ذلك." سألتها عن قراءتها للكتابة، فقالت: "نعم، أعرف القراءة والكتابة."

سألتها عن صفها الدراسي، فقالت: "لم أدخل المدرسة، أمي لا ترضى بذلك." سألتها: "وهل لك أم؟

 فقالت: "أنا أنادي خالتي أمي. فأمي ماتت حرقًا وأبي تزوج بامرأة أخرى. ومن ذلك الوقت لا يسأل عني، وحتى أني نسيت اسمه وشكله." قلت لها: "وهل لذلك تقولين يتيمة الأبوين؟" قالت: "نعم، أنا لا أعرفه، هو لا يسأل عني تركني منذ كنت صغيرة." وأضافت: "خالتي تؤذيني، لا تقبل أن أدرس، تجعلني أبيع في دكانها وأنظف المنزل، بينما بناتها يذهبن للمدرسة."

سألتها كيف تعلمت القراءة والكتابة، فقالت: "تسللت إلى الروضة القريبة من بيتنا، فعطفت علي المعلمة وبدأت تعلمني الكتابة والقراءة، ولأنني شاطرة تعلمت التهجي." قلت لها: "جزاها الله خير. استمري وسأحاول مساعدتك لدخول المدرسة." قالت: "لا علمت خالتي بذلك، ومنعتني من الذهاب." قالت: "اليوم أتيت بعد أن توسلت إليها. هي لها بيت مستقل وتتركني مع جدي في بيت قريب لبيتها فيه دكان تجعلني أقف فيه."

أضافت: "كنت أتسلل إلى الروضة حين تكون خارج المنزل حتى لاحظت أني تعلمت القراءة، فثارت وضربتني." قلت لها: "معقول يا طفلتي، هذه خالتك لا يمكن أن تكون بهذه القسوة." 

وضعَت القرآن على المنضدة، وشمرت عن أكمام الثوب، وإذا يديها مليئة بآثار الحروق. انهرت، بدأ الصداع في راسي، وثرت، ولكن حاولت تمالك نفسي.

أنا ومن خلال تجربتي في الحياة ومااطلعت عليه، اعلم أن البنت أشد ما تكون قربا لأبيها فهو بالنسبة لها السند والملجاء والدلال، وان كان فقيرا فيكفيها نضرته لها بحب. البنات يستمدون من آباءهم القوة، ومجرد وجوده يشعرهم بالأمان. وهذا ماتفتقده ريم أو بنت ود كما أطلقوا عليها.

الطفلة هادئة وقورة، كأنها امرأة كبيرة مرت بصعاب الحياة في وجهها حزن العالم، وشفتاها تتراقص وعيناها أصبحت حمراء معلنة اقتراب الأنهيار. حاولت التأكد إنها تقول الحقيقة، فناديت بعض الطالبات القريبات من عنوانها. فقالت إحداهن: "نعم، هي جارة لنا تبيع في الدكان."

قلت لها: "اذهبي معها وستأذني خالتها أن أخذها غدًا للسوق لاشتري لها ملابس." الطالبة بخوف: "لا، لا، أنها شرسة والجيران لا يقتربون منها، أنا أخاف من الذهاب والتحدث معها." وما قالته الطفلة صحيح، أمها توفت حرقًا وأبوها لا نعرفه. فهي أتوا بها بعد خبر وفاة والدتها لخالتها.

قلت للطفلة: "أخبري أنتِ خالتك بذلك." قالت: "لن تسمح لي." قلت لها: "جربي." ذهبت الطفلة وعادت خالتي ، لا تقبل أن أذهب.

 تقول: "من يقف بالدكان إذا ذهبت.

خالتها حرمت بنت ود حتى من التساوي مع أقرانها بارتداء ملابس العيد. 

بنت ود، التي سلبت حتى من اسمها، ضحية القسوة، ضحية الاستغلال. من خالة جعلت منها أداة ربح، بدل أن تعاملها كما تعامل بناتها، منعتها طفولتها وحرمتها من الدراسة ومن العب.

أبوها ذلك الإنسان الأناني، فكر بنفسه وبرغباته وحياته، وعدم حياة الطفلة، وكأنه خط شهادة وفاتها مع شهادة وفاة والدتها، متناسياً مسؤولياته كأب، تاركاً بنته عرضة لتعذيب الجسدي والمعنوي تعيش الذل، كأنها يتيمة الأبوين، رغم وجوده.

قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم

لا يُؤَدّي الوالد حق الله تعالى 

حتى يُؤَدّي حق ولده،" وهذا الحديث يؤكد على أهمية رعاية الأبناء وتوفير احتياجاتهم. 

كما قال الإمام زين العابدين عليه السلام


وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره.

ولكن كم من الآباء كأب ود ترك بنته تقتل روحيا وتواجه الحياة بمفردها.

بنت ود، لازالت طفلة في صغرها، فماذا؟لو شبّت؟

 أن من يتركون بناتهم بعيدات عنهم لا يحملون رجولة ولا غيرة وحمية على أعراضهم، إنهم أشباه رجال يتبعون شهواتهم تحركهم نساؤهم الجدد، كالألعاب تموت فيهم الرجولة والنخوة والإحساس

هناك مئات النساء لكنهم لا يفكرون الا بأنفسهم 

فيسرعون بالزواج متناسين أن يختاروا  أماً

 لأيتامهم. قبل أن يختاروا زوجة لهم.  

ومازال طيف بنت ود يلاحقني، أراها حتى في شربة الماء. ذهبت ولم تعد، يبدو أنها منعت من الدرس، وتركت أثرًا لا يمحى، قصة ومأساة جديدة تحاكي روحي، كأنها مسمار ينغز داخل قلبي.

والسؤال في هذه الحياة كم من بنت ود؟

 كم من طفلة تعاني من نفس القسوة والاستغلال؟ كم من أب ترك ابنته دون حماية 

أو رعاية؟ هذه الأسئلة تظل تؤرقني، وتجعلني أفكر في دورنا كأفراد في تغيير هذه الحقائق المأساوية.

هل يمكننا أن نغير هذه القصص المأساوية؟ هل يمكننا أن نكون جزءًا من تغيير حياة بنات ود؟

Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*