نسمة قلم الدولية: نمر من ورق ..بقلم الكاتب المبدع سالم غنيم

Najwa Ezzedine
0

 نمر من ورق




كنتُ أسير في حي المهاجرين في مساءٍ هادئ، حتى توقفتُ عند مجموعة من الأطفال يلعبون كرة القدم. 

كانت الضحكات تعلو، لكن عيناي توقفتا عند طفل يجلس على الرصيف، 

وحيدًا، 

يحتضن حقيبته كما لو كانت درعًا يقيه من العالم.

كان يضع نظارات سميكة تكبر وجهه الصغير، يراقب الكرة وهي تمر من أمامه دون أن يلمسها.


اقتربتُ وسألته:

 لماذا لا تلعب معهم؟


خفض رأسه وقال بصوتٍ مهزوز:

 هم لا يريدونني…

 يقولون إني ضعيف وأركض ببطء… ويضحكون على نظاراتي.


ابتسمت بحزن…

 كان صوته يعيدني إلى سنوات مضت، 

إلى طفل آخر عاش المشهد نفسه.

طفل كان يسمع السخرية في المدرسة كل صباح:

أربعة عيون… 

سلحفاة… 

نمر من ورق.

كان التنمر يلاحقه في الشارع،

 حين يركض الأطفال ويتركونه خلفهم، يصرخون ضاحكين.

حتى في البيت، 

لم يسلم من المقارنات القاسية:

 شوف أخوك كيف شاطر، وانت…!

كبر ذلك الطفل، 

وحمل جراحه معه إلى العمل،

 حيث وجد أشكالًا جديدة من التنمر… نظرات استصغار، همسات خلف الظهر، وابتسامات ساخرة تظن أن القلب لا يراها.


لكن…

 لم تنكسر روحه.

تعلم أن الورق قد لا يمزق الصخر، 

لكنه قادر أن يتحول إلى كتاب يغيّر العقول.

درس، 

وتعب،

 وصبر…

 حتى صار كاتبا مرموقا، 

يحضر ندواته المئات، 

ويقف على المنابر التي كان يحلم بها وهو صبي وحيد على الرصيف...


نظرت إلى الطفل أمامي وقلت له:

 هل تعرف… 

أن النمر من الورق قد يصبح أقوى من كل النمور؟

 فقط إذا آمن بنفسه.


ابتسم بخجل، 

كأن كلمة صغيرة صنعت فجوة في جدار الوحدة الذي حوله. 

تركته هناك، لكنني كنت أعلم أن حكاية جديدة قد بدأت… 

وربما بعد سنوات، 

سيحكيها هو لشخص آخر يجلس على الرصيف.


هكذا هي روايتي

 نمر من ورق…

 ليست عن طفل ضعيف، 

بل عن رجل لم ينسَ طفولته،

 وحوّل السخرية إلى زئير يسمعه الجميع.

سالم غنيم 

حكواتي الوجدان الشعبي 

روايتي نمر من ورق

Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*