ظل الحكيم
ليلة شتوية في العاصمه الاردنيه عمّان…
المطر يقرع زجاج مقهى البابا في مخيم الحسين،
الدفء يأتي من أحاديثنا أكثر من مدفأة الحطب في الزاوية. اجتمعنا،
نحن خمسة من الأصدقاء، حول طاولة تحمل كتبًا متناثرة،
وأكواب قهوة لم تبرد بعد.
قلت لهم:
اليوم، أريد أن أحدثكم عن بطلي في الرواية الجديدة…
ظل الحكيم.
رفع سامي رأسه، وعيناه تلمعان:
تقصد جورج حبش؟!
هززت رأسي بابتسامة،
وكأنني استحضره بيننا:
نعم… الطبيب الذي كان يرى أن شفاء الأمة أهم من شفاء الجسد،
ابن مدينة اللد،
الذي لم يغفر للاحتلال جرحها،
ولم يساوم على حقها.
تدخّل مروان ،
صوته يختلط برائحة القهوة:
كنتُ صغيرًا عندما رحل،
لكني سمعت والدي يقول إنه كان ثابتًا كالجبال…
حتى وهو مطارد، لم ينكسر.
أجبت:
الثبات يا صديقي هو ما يجعل ظله باقٍ حتى اليوم…
الحكيم لم يترك وصايا مكتوبة،
لكنه ترك فكرة، والفكرة لا تموت.
ساد الصمت لوهلة، ثم أخذ حسن يحدّق في البخار المتصاعد من فنجانه،
وقال بصوت خافت:
غريب… وأنا أسمعك،
أشعر وكأننا لسنا في عمّان،
بل في اللد قبل النكبة…
أرى الأزقة الضيقة،
وأسمع أصوات الناس يوم اضطروا للرحيل، وأراه بينهم يحمل حقيبته،
وفي قلبه وعد بالعودة.
أجبته:
هذا هو ظل الحكيم الذي أردت أن أكتبه… ليس مجرد سيرة رجل،
بل حضور روح،
ونبض مدينة،
وإصرار أمة.
خارج المقهى، كان المطر قد توقف،
لكننا ونحن نغادر شعرنا أن هناك ظلًا يسير خلفنا،
يخطو بثبات،
وكأنه يقول:
الأرض تعرف أصحابها…
والظل يعرف طريقه دائمًا.
سالم غنيم
حكواتي الوجدان الشعبي
روايتي..ظل الحكيم