أسيوط -لؤا الصباغ
حين تتعانق ظلال العصر مع أنوار الهداية، وتلتحف جدران المسجد بصدق التلقِّي ونقاء النيَّات، تشهد الأرض لحظةً من لحظات الاصطفاء... وهناك، في مسجد حراء بحيّ الوليدية، مع حلقة من حلقات النور، ضمن فعاليات النشاط التثقيفي الصيفي، الذي يعقد تحت إشراف علمي وتربوي للدكتور أسامة عوض عبد الله، إمام وخطيب المسجد، وبمتابعةٍ ورعاية كريمة من معالي الأستاذ الدكتور أسامة السيد الأزهري، وزير الأوقاف، والشيخ محمد عبد اللطيف محمود مدير الدعوة والمراكز الثقافية بالمديرية، ومتابعة دقيقة من الشيخ أحمد كمال علي، رئيس قسم الإرشاد الديني ونشر الدعوة.
لحظة صدق مع سورة الطارق
في رحاب المسجد العامر، تَركَت المادّةُ جَلبتَها، وسكنَ الضجيجُ، وتصدّر النورُ المشهد. فقد اجتمع جمعٌ من البنين والبنات، كبارًا وصغارًا، يراجعون آياتِ سورةٍ عظيمة من سور التنزيل، هي سورة الطارق.
قرأ أحد النشء:
﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ۞ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ۞ النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾
فإذا بالدكتور أسامة يفتح أبواب الفهم، شارحًا كيف أن الطارقَ نجمٌ ينفذ ضوءه في أعماق السماء، كما ينفذ وحيُ الله في عمق القلب إذا خلصت النيّة واستنارت البصيرة. بيَّنَ مخارج الحروف، وضبط الوقوف، وبيّن المعاني الربّانية في هذه السورة التي تُوقظ الإنسان من غفلته وتُذَكّره بمنشئه ومصيره.
منابر السُّنة: خُلُق يقرّبك من النبي ﷺ
ولأن القرآن لا يُفهم إلا في ضوء السنّة، أُكمِل اللقاء بمجلسٍ تربوي عابقٍ بالنور، مع حديث الحبيب المصطفى ﷺ:
" إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا."
توقّف الحاضرون عند هذا النص العظيم، الذي لا يربط الدين بالشكل فقط، بل يغرسه في عمق الخُلق، في لطف اللسان، وصدق المعاملة، وصبر النفس، وتواضع الكلمة.
شرح الدكتور أسامة الحديث في ضوء الواقع، وربطه بتصرفاتٍ حياتية، يُمكن للنشء أن يبدأ بها: التسامح مع الأقران، برّ الوالدين، تجنُّب الكذب، والرفق بالحيوان... فالدين ليس كلماتٍ تُردَّد، بل سلوكٌ يُعاش.
رعاية وتكامل في سبيل الله
هذا اللقاء لم يكن عاديًا، بل كان لوحةً منسجمةً رسمت ملامحها يدُ الوزارة، بعناية الدكتور أسامة الأزهري، وجهود مديرية أوقاف أسيوط، ممثلة في الشيخ محمد عبد اللطيف محمود، وتوجيه الشيخ أحمد كمال علي، الذي يتابع عن كثب هذه اللقاءات ليتحول المسجدُ من مَصلًى إلى مدرسة تربية ومصنع قِيَم.
خرج الحاضرون من مجلس العصر وهم يحملون نورًا في قلوبهم، ونقشًا في ذاكرتهم لا يُمحى: أن القرب من الله لا يكون إلا بحُسن الخلق، وأن القرآن لا يُتلى فقط، بل يُفهم ويُطبَّق.
كتب أحد الطلاب في كراسته: "اليوم فهمتُ أن الطارق ليس نجمًا فقط، بل هو إشراقة في حياتي... وأن النبي يحب منّا أن نكون طيبين!"
وهكذا، تتوالى أيام النشاط الصيفي في مسجد حراء، لا كأيامٍ من رزنامة تمضي، بل كمواقف نورانية تُشكّل الوجدان، وتربّي العقل، وتُعين على السير إلى الله بخطى واثقة، وأخلاق نبيٍّ كريم ﷺ.