في المستنقع الأوكراني
حوار الدكتور/باسم فضل
اعداد /حسين طلحة
#الخيانة كإرث سوفيتي: من الثورة إلى الانهيار**
لم يكن تفكك الاتحاد السوفيتي مجرد نتيجة لأزمات اقتصادية أو فشل سياسي، بل كان أيضاً حصيلة "خيانة داخلية" متعددة الوجوه. لم تكن هذه الخيانة دائماً مؤامرات دموية، بل شملت تسريبات استخباراتية، وصفقات خفية مع الغرب، وانهيار الإيمان بالمشروع الشيوعي. اليوم، تعيد روسيا الحديثة إنتاج نفس السيناريو، لكن هذه المرة تحت شعارات القومية والصراع مع الغرب.
ففي خضم الحرب الأوكرانية، تتصاعد اتهامات الخيانة داخل المؤسسة الروسية، من تسريب خطط عسكرية إلى تعاون بعض النخب مع الغرب. فهل هذه مؤشرات على انهيار قريب، أم أن الكرملين قادر على كبح الانقسامات والعودة بقوة؟
---
### **لماذا تنتشر "الخيانة" في روسيا اليوم؟**
1. **الغرب كعدو وحلم**: بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، انفتحت روسيا على النموذج الغربي، لكنها عانت من صدمة عندما أدركت أن هذا الانفتاح لم يُترجم إلى ازدهار حقيقي، بل خلق جيلاً منقسم الهوية بين الانتماء الروسي وإغراءات الغرب.
2. **الفساد وتآكل الثقة**: عندما تفقد الدولة مصداقيتها في عيون مواطنيها ونخبها، يصبح الولاء سلعة قابلة للبيع. الفساد المستشري دفع الكثيرين إلى البحث عن مصالحهم حتى لو تعارضت مع أمن الدولة.
3. **القمع يولد التمرد**: تُظهر التجربة التاريخية أن فرض القبضة الأمنية الشديدة لا يقضي على المعارضة، بل يحولها إلى خيانة صامتة تنتظر لحظة الانفجار.
4. **الحرب الأوكرانية ككاشف للأزمات**: كشفت الحرب عن تشققات عميقة في الجيش والأجهزة الأمنية، حيث باتت هناك تقارير عن تعاون بعض العناصر مع أوكرانيا أو الغرب، سواء بدافع الكراهية للنظام أو الطمع المادي.
---
### **مستقبل روسيا: ثلاثة سيناريوهات محتملة**
1. **الاستنزاف الطويل (سيناريو أفغانستان الجديدة)**: قد يحاول الغرب تحويل أوكرانيا إلى مستنزف لروسيا، مما يؤدي إلى تآكل تدريجي لقوتها العسكرية والاقتصادية دون حسم عسكري واضح.
2. **ضربة روسية حاسمة**: إذا شعرت موسكو بأن الميزان يميل ضدها، فقد تلجأ إلى تصعيد عسكري غير مسبوق، سواء عبر حشد شامل أو استخدام تكتيكات أكثر شراسة لتغيير مسار الحرب.
3. **صفقة تاريخية خلف الكواليس**: في حال استحالة تحقيق نصر سريع، قد تبحث روسيا عن مخرج "مشرف" عبر مفاوضات سرية مع الغرب، تضمن لها بعض المكاسب الإقليمية والسياسية.
---
# **الخاتمة: روسيا بين سندان التاريخ ومطرقة الحاضر**
الخيانة ليست سمة روسية حصرية، بل هي نتاج أي نظام يعاني من أزمات هوية وشرعية. ما تشهده موسكو اليوم هو اختبار وجودي: إما أن تنجح في إعادة توحيد صفوفها عبر إصلاحات جذرية أو تسقط في فخ الصراعات الداخلية التي أنهت إمبراطوريات من قبلها. التاريخ لا يعيد نفسه، لكن دروسه تظل تحذيراً للأمم التي تتجاهل أن أكبر الأخطار قد يأتي من الداخل، لا من الخارج.