ظلال القمر: وشوشات الفضة في حياكة الظلام

Najwa Ezzedine
0

 ظلال القمر: وشوشات الفضة في حياكة الظلام

كلمات : حجاب حسن



حين يُسدل الليل أستاره المخملية، وتتراقص النجوم كحبات لؤلؤ في سماء صافية، يطل القمر ببهائه، ليس كقرص منير وحسب، بل كساحر يلقي بظلاله، ليحيك بها قصصًا من الفضة على قماش الظلام. ظلال القمر، ليست مجرد غياب للنور، بل هي حضور خفي، همس رقيق، ووشوشة لا تُسمع إلا بقلب متأمل.

كم من مرة وقفنا على شرفة أو تحت شجرة، نرى ظلالنا تمتد وتتقلص مع حركة القمر الخفيفة، فتتحول الأجساد المألوفة إلى أطياف حالمة. هي لحظات نتجرد فيها من واقعنا الملموس، ونبحر في عالم من الخيال حيث الأشياء تمتلك أبعادًا أخرى. الشجرة العملاقة تتحول إلى وحش أسطوري بذراعين ممتدتين، والزهرة الرقيقة تُصبح رقصة صامتة لباليه القمر.

ظلال القمر هي مرآة للروح، تعكس في صمت كل ما لا يُرى في ضوء الشمس الصارخ. كم من سر احتضنته تلك الظلال، وكم من حلم تراقص على إيقاعها الهادئ. هي رفيقة العشاق في ليالي السمر، وحاضنة المتأملين في لحظات الصفاء. تُضفي على الكون جمالًا غامضًا، وتُذكّرنا بأن الجمال ليس دائمًا فيما هو واضح وجلي، بل قد يكمن في الخفايا والغياب.

وفي صمتها البليغ، تُعلمنا ظلال القمر درسًا عن التناقضات الجميلة. فهي نتاج للنور، لكنها تجسيد للظلام. وجودها مرهون بغياب الضوء عن جزء من المكان، ومع ذلك تُضيء لنا جوانب لم نكن لنراها لولاها. تُرينا أن لكل شيء وجهين، وأن الجمال الحقيقي يكمن في توازنهما.

فلنقف مع ظلال القمر قليلاً، ليس لنراها وحسب، بل لنشعر بها. لنتيح لها أن تُلقي بظلالها على أرواحنا، فتُزيل عنها غبار الواقع، وتُوقظ فينا حاسة الدهشة والجمال المخفي. فلعل في هذه الظلال الصامتة، حكايات تنتظر من يقرأها، وأنغامًا تنتظر من يسمعها.

Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*