الخير والشر: ثنائية الوجود وصراع النفس البشرية

حجاب حسن
0

بقلم مرفت شوقي صالح 



لطالما شغل مفهومي الخير والشر الفلاسفة والمفكرين وعلماء اللاهوت على مر العصور. إنهما ثنائية أساسية تشكل محور الوجود الإنساني، وتتجسد في كل جانب من جوانب حياتنا، من أبسط القرارات اليومية إلى أعقد القضايا الأخلاقية. فما هو الخير؟ وما هو الشر؟ وهل هما صفتان متأصلتان في الإنسان أم أنهما نتاج للبيئة والتربية؟

تعريف الخير والشر: رحلة في عمق المفاهيم

يُعرف الخير غالبًا بما يجلب النفع والسعادة والسلام، وما يتوافق مع القيم الإيجابية كالحب والعدل والرحمة والتسامح. إنه كل فعل أو قول أو نية تهدف إلى البناء والارتقاء بالنفس والمجتمع. في المقابل، يُمثل الشر كل ما يلحق الضرر والأذى والألم، ويتعارض مع هذه القيم، كالكراهية والظلم والعنف والخداع. إنه ما يدمر ويهدم ويسبب الفساد.

لكن التعريفات قد تختلف باختلاف المذاهب الفكرية والثقافات والأديان. فما يعتبره البعض خيرًا مطلقًا، قد يراه آخرون شرًا نسبيًا، والعكس صحيح. هذا التباين يعكس التعقيد الكامن في فهم هذه المفاهيم، ويؤكد على أن الخير والشر ليسا دائمًا أبيض وأسود، بل غالبًا ما يتواجدان في مساحات رمادية.

من أين ينبع الخير والشر؟

تتعدد النظريات حول منشأ الخير والشر. يرى البعض أن الإنسان يولد بفطرة سليمة تميل إلى الخير، وأن الشر ينبع من عوامل خارجية كضغوط الحياة، أو التربية السلبية، أو المؤثرات المجتمعية الخاطئة. بينما يعتقد آخرون أن الإنسان يحمل في داخله بذرة الخير والشر على حد سواء، وأن الصراع بينهما هو صراع داخلي مستمر، ينتصر فيه أحد الجانبين تبعًا للخيارات التي يتخذها الفرد.

من منظور ديني، غالبًا ما يُنظر إلى الخير على أنه انعكاس للإرادة الإلهية، والشر على أنه عصيان لهذه الإرادة أو ابتعاد عن الطريق المستقيم. أما من منظور فلسفي، فقد يربط البعض الخير بالعقلانية والفضيلة، والشر بالجهل والشهوات.

صراع دائم في النفس البشرية والمجتمع

إن الصراع بين الخير والشر ليس مجرد مفهوم تجريدي، بل هو حقيقة معاشة تتجلى في كل لحظة. نرى هذا الصراع في داخلنا عندما نتصارع بين ضميرنا ورغباتنا، بين ما يجب أن نفعله وما نريد أن نفعله. ونراه في المجتمع من حولنا في الحروب والنزاعات، وفي الجرائم والعنف، وفي الظلم الاجتماعي والاقتصادي.

ومع ذلك، فإن البشرية شهدت أيضًا صورًا عظيمة للخير والعطاء، من أعمال الإغاثة الإنسانية إلى التضحيات البطولية، ومن إبداعات الفن والعلوم إلى انتشار قيم السلام والتسامح. هذا التوازن بين الخير والشر هو ما يدفع عجلة التطور الإنساني، ويجعل الحياة رحلة مستمرة من التحديات والانتصارات

Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*