بقلم/ خالد اسعد على
.... ... السوار
قصة قصيرة
لم تسطع الأصابع الإستجابة
لإشارات المخ
إنها النهاية لا محالة
ولكن عينيها نظرت للسوار الساكن
بيدها اليسري
و تذكرت
،، ليل ،،
الإسم الذي نالت وصفة بإستفاضة
حين كانت مطمع للجميع
و لكل من رأها
جمالها الساحر وشعرها الأسود
المجدول من فرس الخيل
ليل
وتذكرت أغرب رحله
رحلتها مع السوار
سوارها الأول الفضي الذي كانت
تضرب به الهواء فرحا اهداه
أول شاب عشقها
سوار من الجلد مزين بحليه
وكبرت يد ليل قليلآ لتستبدل السوار
بآخر ذهبي لاعبت به النسمات طربآ
وتمايلت بخيلاء..بسوارها
ومرت السنين..
حتي إنطفئت تلك الفرحه تدريجيا
وقلت قيمه السوار أمام
سوارها الماسي الجديد
الذي لم يعطي البهجة القديمة
التي تعودت عليها
ليل
و السوار
و زاد وزنه لمن يدفع أكثر
و صار حمل السوار ثقيلآ
و إختفي السوار الماسي بين الورثة
وبقي مكانه سوار بلاستيكي
في يدها اليسري
كتب عليه
الإسم
السن
وقت الوفاة
الصفة التشريحيه
ماتت ليل
و بقي السوار
باليد اليسري
سوار بلاستيك
يعد العمل الادبى السوار من الأعمال الأدبية التى تعكس مظهرا من مظاهر الحياة الحديثة و ما فيها من تقلبات فكرية و مادية يريد أن يرسلها لنا الاديب فى عمله مرتكزا على البعد الاقتصادى و أثره فى حياة المرأة بصفة خاصة
بما يحمله العنوان الذى أطلقه الاديب على عمله الفنى وهو السوار فقد استطاع أن يضع عدسته السحرية على ساعد الشخصيه راصدا التغيرات الزمانية و الاقتصادية للشخصية وعلى هذا يقول تزد وروف أن الشخصية مرتبطة بالحاله التى تمر بها بل ويرى أن الشخصية قابله للتحليل و الوصف ومن خلال هذا القول نستطيع أن نغوص فى شخصية ليل من خلال الابعاد المختلفة
اولا تطور الزمنى و الفكرى
يرصد لنا اديبنا الكبير التغير الناشئ فى شخصية المرأة من خلال البعد الزمنى فى قوله
سوارها الأول الفضي الذي كان تضرب به الهواء فرحا أهداه أول شاب عشقها تلك المرحله التى يرى فيها الاديب أنها انقى المشاعر محددا إياها بما فيها من سمو المشاعر و الاحاسيس الصادقة بعيدة عن الزيف ثم ينتقل بنا الى مرحله أخرى راصدا التغير الجسدى و الزمنى من خلال قوله
كبرت يد ليل قليلا وهنا إشارة واضحة إلى المرحلة العمرية التى وصلت إليها ليل مشيرا إلى التغير الفكرى عند ليل بقوله استبدل سوارها باخر ذهبى أن تلك الإشارة إلى تغير السوار هو ذاته إشارة إلى تغير النمط الفكرى عند المرأة فالتى كانت تطير فرحا بالسوار الجلدى هى ذاتها التى اسبدلته بالذهبى ثم يقول ومرت السنين.. حتي إنطفئت تلك الفرحه تدريجيا وقلت قيمه السوار أمام سوارها الماسي الجديد وهنا إشارة أخرى إلى مرحلة يرصدها لنا الاديب فى عالم المراه حينما تحث المقارنه فى عالم المادة وهذه من صفات المراه بصفة عامة أنها دائما عقلها فى حالة مقارنه للوصول إلى الأفضل أن وجود القيمة الاعلى يلغى الأقل و هنا يقدم الاديب تفسيرا للصراع الدائر فى شخصية المرأة من خلال رصدة لتغير السوار فى قيمته وهنا نطرح تساؤلا ملحا وضعه أمام هذا الاديب هل قيمة المادة تلغى القيم الروحية وللإجابة عن هذا التساؤل بمطابقة الواقع تكون الإجابة نعم فكان المادة هى المحرك الرئيسي لهويه المرأة الحديثة إلا أننا لا ننكر الجانب الروحى فى العلاقات الحميمية بما يحقق الرغبة و التالف فى تلك النفس البريئة وإذا كان بلاشك تغلب البرجماتية بوحشيتها فإن هناك الاحاسيس و المشاعر و إن قلت و انحسرت بما بشكل خطراً على المجتمع البشرى بصفة عامة وهو ما يشير إليه اديبنا الكبير فى قوله و زاد وزنه لمن يدفع أكثر و صار حمل السوار ثقيلآ أنها إشارة صريحة إلى تغلب الجانب المادى و كأن الإنسان سلعة تباع و تشترى غيمة الإنسان بما يحمله من جواهر لا مشاعر أنه يرصد لنا مرحلة البرجماتية بوحشيتها باسوء صورها بواقعيتها المؤسفة
ثانيا البعد النفسى
يغوص اديبنا فى شخصية المرأة ومعالمها الخفى رافعا الستار عن الجوانب الخفية من خلال قصته السوار مسلطا الضوء على الشخصية المتمردة الساعية إلى اللذة فالسوار فى حد ذاته يمثل الشهوة التى تتمثل فى المال و ما يصحبها من شهوة الجسد فاستطاع أن يقدم تطور السوار عبر مراحله المختلفة بتطور الرغبة و مافيها من شهوة فى الانتماء للقيمة فعند القيمة تقدم المرأة تنازلاتها دون استثناء وكلما عظمت القيمة عظم التنازل وأشار إلى ذلك بقوله لمن يدفع أكثر بأسلوب راقي و جذاب بما يحويه من دلالات لغوية تعبر عن المضمون مستثيرا لذهن القارئ مشاركا إياه فى عرضه القصصى
ثانيا طريقة الكتابة
اتجذ الاديب الطريقة الفرنسية فى كتابة عمله الفنى و كأنه يرسم الخطوط العريضة لسيناريو الأحداث حينما بدأ قصته من النهاية بقوله
لم تسطع الأصابع الإستجابة لإشارات المخ إنها النهاية لا محالة ولكن عينيها نظرت للسوار الساكن بيدها اليسري
أنه استطاع أن يسيطر على القارئ من خلال وضع. تحت مشهده التصورى مستعينا بعنصرى التحفيز و التشويق مما يمثل قمة الجذب فى الأعمال الأدبية بعيدا عن رتابة السرد متخطيا حاجز الملل عند القارئ وقد استطاع أن يجعل من السوار بطلا تقع المرأة تحت تأثيره وهو ما ذهب إليه اسكندر دوماس بقوله فمن مميزات الروائين أنهم يخافون شخصيات و السبب فى ذلك أن الروائين يخلقون أشخاصا من لحم و دم لا يقدمون اشباحا
ثالثا النهاية
تعد النهايات فى الأعمال الأدبية ذات جانبين أما نهايات مغلقة و تكون نتيجة طبيعية لما يقدم الاديب من أحداث وهو ما التزم به اديبنا الكبير
حينما قال وبقي مكانه سوار بلاستيكي في يدها اليسري كتب عليه الإسم السن وقت الوفاة الصفة التشريحية ماتت ليل أن تلك النهاية التى قدمها الاديب تعد رسالة لكل نساء العالم فحواها أن من يسلك طريق المادة تكون نهايته الحتمية تلك النهاية
بقلم /خالد اسعد على احمد
البلد /مصر
2/5/2025