نسمة قلم الدولية: خمس ورقات سود _ سالم غنيم

Najwa Ezzedine
0

 خمس ورقات سود




جلست سلمى أمام نافذة غرفتها في دار المسنين، تتأمل الأشجار التي تراقصها الريح. كان الليل يقترب، والذكريات تتدفق كالنهر، تحمل معها كل ما لم يُنجز، 

وكل ما فاتها من فرص. 

أمسكت بدفتر صغيراسود.. قديم، وأخذت تكتب آخر ما تبقى لها من اعترافات.


الأولى:

تمنيت لو كانت لديّ الشجاعة لأعيش لنفسي، لا كما أراد الآخرون.

تذكرت يوم تخلّت عن حلمها بأن تصبح رسّامة فقط لأن والدها قال لها: الفن لا يُطعم خبزًا. 

عاشت لتُرضيهم، 

فاختارت وظيفة لا تحبها، 

وقضت حياتها تكتب أرقامًا في دفاتر مملة. لم ترسم إلا على الهامش، في الخفاء.


الثانية:

تمنيت لو خصصت وقتًا أطول لعائلتي وأصدقائي.

ركضت خلف الترقية،

 والساعات الإضافية في المكتب، 

حتى اصبحت غريبة في بيتي. يوم تخرّج ابني، كنت في اجتماع. يوم مرضت أمي، أرسلت باقة ورد بدلًا من أن امسك يدها. الآن، الهاتف صامت، والبيت بعيد.


الثالثة:

تمنيت لو كانت لدي الشجاعة لأعبّر عن مشاعري بوضوح.

أحببت مرة واحدة. زميلي سامي، الذي كان ينظر إلي بابتسامة تحمل كل الحكايات. لكنني صمت، خشية أن يقول الناس كلامًا لا يرضيني تزوج سامي غيري، وبقيت كلماتي حبيسة صدري..حتى اليوم.


الرابعة:

تمنيت لو بقيت على اتصال مع صديقاتي 

وأصدقائي القدامى.

ضحكت حين تذكرت ليلى ورانيا، صديقتي الطفولة، كيف كنّ يخططن للسفر، ويتقاسمن الأسرار. لكن الأيام سرقتهن، ولم يبقَ سوى صور باهتة على صفحات الذاكرة. حاولت الاتصال بهن يومًا، لكن أرقامهن تغيّرت. وبعد سنوات، علمت أن ليلى رحلت بصمت.


الخامسة:

تمنيت لو أدركت المعنى الحقيقي للسعادة.

السعادة لم تكن في مكتب أنيق ولا حساب بنكي ممتلئ. كانت في تلك الأمسيات التي ضحكت فيها مع أبيها قبل أن يرحل، 

في كوب شاي ساخن قرب أختها، في رسمة خبأتها تحت وسادتها. لكنها فهمت ذلك بعد أن فات الأوان.


وضعت سلمى القلم، 

وأغلقت الدفتر. 

ابتسمت رغم الدموع،

 وقالت بصوت خافت:

على الأقل، كتبتها قبل أن أرحل…

 لعل أحدهم يقرأ ويتعلّم.

سالم غنيم 

حكّواتي الوجدان الشعبي 

من مجموعتي عن القصصية 

ورق اسود


Post a Comment

0Comments

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*